في الوقت الذي يعاني فيه البرلمان، من أزمة حقيقية تتمثل بتعطيل للدور الرقابي والتشريعي، حيث لم تشرع سوى عدد محدود من القوانين. وهذه الأزمة حرية بالوقوف عندها طويلا، نجد هنالك من يسعى لإشغال الرأي العام عن هذه الأزمة، بالبحث عن أزمة وهمية لا وجود لها سوى في الدستور الذي سبب هو الآخر الكثير من الأزمات، لكن جموده وعدم إمكانية تعديله لا يترك في اليد حيله. وهذه الأزمة الوهمية تتمثل بمجلس الاتحاد، الذي اعتبره الدستور أحد مكونات السلطة التشريعية وفقا للمادة 65 من الدستور التي تنص: يتم إنشاء مجلس تشريعي يدعى -مجلس الاتحاد– يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، وينظم تكوينه، وشروط العضوية فيه، واختصاصاته، وكل ما يتعلق به، بقانون يسن، بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب. ووفقا لما نشرته الصباح الجديد مؤخرا، وحسب خبراء، فإن عدم تشكيل هذا المجلس يعد خرقا كبيرا في السلطة التشريعية! وإن عدم وجوده يشكل تهديدا للنظام الدستوري في العراق! وإن عدم تشريع قانون خاص بالمجلس، هو خشية مجلس النواب على صلاحياته ورغبته في الاستيلاء على جميع مفاصل التشريع مستغلاً الصمت السياسي إزاء ذلك. الاستيلاء على التشريع، إذا هو أحد أسباب بقاء السلطة التشريعية بجناح واحد! ورغم إن الدستور لم ينص على اختصاص واحد لهذا المجلس، بالمقابل، نجد أنه رسم الآلية الكاملة لتشريع القوانين، إضافة الى أحكام وقرارات المحكمة الاتحادية التي عززت التوجه الذي رسمه الدستور في تقديم مشروعات ومقترحان القوانين ومناقشتها والتصويت عليها، وبالتالي وضع نظام متكامل لتشريع القوانين وهو ما سار عليه مجلس النواب منذ نفاذ الدستور وتشريع أول قانون بناءً عليه، لكن المصدر الذي تحدث للصباح الجديد، وضع اختصاصا لا وجود له في أي قانون هو المصادقة على القوانين التي يقرها مجلس النواب! المصدر الآخر بين ان وجود مجلس الاتحاد يحرر القوانين التي تصدر من الارادة السياسية!
من المعلوم أن أي آلية جديدة لإقرار القوانين غير منصوص عليها في الدستور، تعني أن القانون الذي سيمر من خلالها سيكون عرضة للطعن أمام المحكمة الاتحادية، بسبب مخالفته للدستور، إضافة الى ذلك، فإن تعدد جهات التشريع يعني مزيدا من العرقلة في إقرار القوانين، حيث نلاحظ من خلال الواقع العملي، أن المجلس لوحده يعاني من الضغوطات السياسية وعدم القدرة على مواجهة الكم الهائل من القوانين التي تحتاج إلى إقرار، فكيف بوجود مجلسين معا؟ كما إن الإرادة السياسية لابد أن تكون حاضرة في مجلس الاتحاد، حيث إن الكتل السياسية التي تسعى لنيل مزيد من المكاسب والمناصب، غير مستعدة للتخلي عن نفوذ لها في مؤسسة لها شأن ودور في عملية صناعة القوانين. وفي الوقت الذي نسعى فيه لمنع هدر المال العام عن طريق كثرة المناصب والدرجات الخاصة، لابد من الاشارة الى أن تشكيل هذا المجلس سيكلف خزينة الدولة مبالغ مالية إضافية، فلابد لعضو المجلس من رواتب وحمايات ورواتب تقاعدية.. كل هذه النفقات، يمكن ان تذهب إلى أمور أكثر أهمية من تشكيل مجلس لا دور له في الحياة التشريعية، وإن النص عليه في الدستور، لا يعني ضرورة تشكيله، فالقياس مع الدول المتقدمة التي تملك جناحين للمؤسسة التشريعية غير وارد هنا، فتلك الدول لها باع طويل في الديمقراطية وتعرف مغزى وسبب وجود مجلس آخر غير مجلس النواب، ولا يعني بالضرورة تعميم التجربة على العراق.
سلام مكي