حذام يوسف
في يوم الأربعاء الماضي وكان الوقت غروبا، فجع الوسط الادبي والثقافي بخبر وفاة الأمين العام لاتحاد الادباء في العراق الشاعر إبراهيم الخياط، إثر حادث مروري على طريق عقرة، فكانت صدمة لم نصدقها، برغم عشرات المنشورات التي ملأت صفحات التواصل الاجتماعي، ونعي الادباء له، ولكنها الحقيقة، التي لا مفر منها إبراهيم الخياط غادرنا بهدوء، مثلما كان هادئا في تعامله وتفاعله مع الجميع، رحل تاركا ارثا من المحبة في قلوب الجميع أصدقاء ورفاق على طريق الادب والنضال من اجل الوطن والانسان، الى اليوم مازال الادباء من أصدقائه ينعونه غير مصدقين انه غادر الى الابد!.
وزارة الثقافية متمثلة بوزيرها الدكتور كانت حاضرة في مراسيم تشييعه من اتحاد الادباء مرورا بمقر الحزب الشيوعي العراقي، بمشاركة كبيرة من عدد من أعضائه على رأسهم الأستاذ مفيد الجزائري الذي نعاه بكلمة تأبينية حاول بها ان يكون قويا وينتصر على دموعه، وسط رهبة الموقف، ومشاركة الادباء من بغداد، والمحافظات، الذين رافقوه الى مثواه الأخير في وادي السلام، ليختم الخياط مسيرته بتلويحه له، كأنه يقول لصحبه سأبقى معكم مبتسما مباركا لعملكم.
الادباء من العراق والعرب نشروا التعازي والنعي يتقدمهم اتحاد الادباء العرب، واتحاد ادباء تونس وجميع الاتحادات العربية، وسفارة المملكة العربية السعودية في البلاد، إضافة الى إقامة مجالس عزاء في بغداد والمحافظات، لمن يتعذر عليه الوصول الى بغداد.
برقيات تعزية
عزى السيد رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح الأسرة الثقافية والأدبية بوفاة الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق والكتاب د.ابراهيم الخياط وفي ما يلي نص التعزية:
بِسْم الله الرحمن الرحيم
بقلوب صابرة مؤمنة بقضاء ربها فُجعنا كما كل العراقيين بأطيافهم بنبأ رحيل واحد من كبار أدباء العراق د.ابراهيم الخياط، الشاعر والأكاديمي والنقابي المعروف.
رحيل الخياط في وقت يحتاج فيه العراق لكل وجوهه وعقوله النيّرة سيترك فراغا شعبيا وأدبياً ليس باليسير شغله، تغمد الله فقيد الوطن بواسع رحمته واسكنه فسيح جناته، والهم اهله وذويه ورفاقه الصبر والسلوان، وانا لله وانا اليه راجعون.
عضو برلمان كردستان زياد شهيد جبار -عضوا برلمان كردستان يعزي أدباء العراق
خسارة كبيرة رحيل الامين العام للاتحاد الادباء والكتاب في العراق ابراهيم الخياط لروحه الرحمة والسلام ولاهله واصدقائه الصبر والسلوان.
والشاعرة السورية سميا صالح تعزي الادباء العراقيين وتقول « لكل منا طريقه الى الله، وها قد اختار طريقه، فتح قلبه للضوء ولن يضل الطريق، ها قد عادوا إلى حمل تابوتك …فهلا أنزلتموه لكي يرتاح، لا أريد رؤية هذه الدموع التي تعكر سواد أعينكم ..فالدمع يحزنه، التقيته في مهرجان بابل للثقافة والفنون العالمية …كانت القاعة تعج بالشعراء والنقاد والمهتمين …وكاميرات التلفاز ،والإذاعة ..ورغم ذلك لم يطل الوقوف على المنبر ..قرأ قصيدة للعراق ومسح جبينه بيده
وعاد ليجلس في الصف الثالث، نظرت إليه باستغراب، أحقا كل هذا التواضع من الأمين العام لاتحاد الكتاب في العراق…!!! وما زلت أنظر إلى الخلف كي أرى ابتسامته التي حيرت الجميع .. البقاء لله …تعازينا للعراق بكل أطيافه الأدبية.
حرصت الأمانة العامة لاتحاد الأدباء، على توضيح بعض أمور الإدارية كي لا يتشتت الجهد، لتعلن « بالرحيل الفاجع لصديقنا الشاعر ابراهيم الخياط فإننا أمام فراغ في منصب الأمين العام، وقد بدأت خيوط التحرك بين الزملاء أعضاء المجلس المركزي وبوصفي عضواً في المجلس المركزي فإنني اقترح وأتمنى ان يتفق معي الزملاء في أن يبقى اسم ابراهيم الخياط أمينا عاما لهذه الدورة علما انه ذهب وهو في واجب ثقافي لذلك ومن باب التكريم الرمزي له وغلق اي باب للترشح ان يبقى الخياط أميناً عاماً، وأن توكل إدارة الأمانة لنائب الامين العام، اما صرف المبالغ فأقترح ان تمنح الثقة بتخويل السيد رئيس الاتحاد والسيد نائب الامين العام والسيد أمين الشؤون الإدارية والمالية، وبهذه الطريقة فإننا كرمنا الخياط حيا وميتا وحافظنا على عمل الاتحاد دون مشاكل أو انتخابات جديدة لمنصب الأمين».
كتب عن الشاعر والناقد التشكيلي كريم النجار:» يكفي ابراهيم الخياط مفخرة، انه اول مسؤول عراقي في وزارة الثقافة.. قدم استقالته كمدير في الوزارة ابان صاحب الوزارتين سعدون الدليمي، احتجاجا على تردي هذه الوزارة (غير السيادية) وما عداها فهو انسان اصيل في وقت شح فيها الاصلاء..».
الروائي محمد علوان جبر أكد مجلس عزاء الراحل الخياط لم يكن مجلس فاتحة..بل كان تظاهرة محبة كبيرة بحجم الوطن،
قصائد رثاء
الشاعر اجود مجبل كتب في رثاء الخياط:
(إلى إبراهيم الخياط)
كان ضوءً في ليالٍ
بقِيَت بَعدَهُ
باحثةً عن قَبَسِ
نَعشُهُ مَرَّ سريعاً مِن هنا
وتَوارى في هجيرٍ شَرِسِ
هُوَ مَن أسَّسَ
جمهوريّةً رَحبةً
للبرتُقالِ المُشمِسِ
يا لهذا القبرِ ما أقسى دُجاهُ
وما أضيَقَهُ مِن مَحبَسِ
كيف يقضي وقتَهُ فيهِ
بلا زائرٍ يحكي لهُ
أو مُؤنِسِ؟
رُبّما قَرَّرَ أن يخرُجَ في ليلةٍ
مِن بَعدِ نَومِ الحَرَسِ
يأخُذُ المَوتى إلى أمسِيَةٍ
مِثلَ ماءٍ يحتفي بالأكؤسِ
في دروبٍ ليس فيها مُخبِرٌ
وبعيداً عن عيونِ العَسَسِ
إفتحوا البابَ لهُ وانتظروا
قمراً عادَ بأحلى مَلبَسِ
قال لي: إنّي سآتي دائماً
ماشياً مِن ساحةِ الأندلُسِ
الشاعر الدكتور حسين القاصد نشر قصيدة رثاء كتبها لرحيل أخيه حسن، وأعاد نشرها رثاء للأمين العام لاتحاد الادباء الراحل إبراهيم الخياط:
إمام ارتباك السمار
تغازله فكرة نيئة وتخنقه اللحظة السيئة
هو استعجل العمر، كان الكتاب طويلا وذاب لكي يقرأه
أغاب المبشر ام للسماء مزاجٌ فغاب لكي تنبئه
امات إمام ارتباك السمار على خده منذ ان انشأه
إلهُ الذين بحمد الاله بسكينهم ضمدوا مبدأه
فمن يملأ القلب حبا وعطفا
ومن للخلاص اذا اومأه
ومن للطباشير
سبورتي تئن فسطريَ من ارجأه
وكنا ارتدينا ثياب الرماد
ركضنا………
لوحدي ….!!
فمن اطفأه
ومن؟ هذه الارض كانت هنا
وهذي السماء .. وذي الاوبئة
هنا الارض … يوم قيام الرصاص
هنا الموت والبوح والتأتأة
هنا كل ما لايكون هناك
لأن (هنا ـ نا ـ) لنا مبرئة
هنا طاح
قد طاح فوق الكلام
لينساب من دمعة اللؤلؤة
……………….
وكان الامام إماما قديما تشيراليه خطوط يديه وكانت تمر القوافل منه فقد كان جسرا نديا وكانت شفاه الصحارى تبوس يديه ……..
فأين الامام؟
تقول الرياح العتيقة ان الشراع الأريجيُّ كان يصارع كحل البداية ولكن حلّ السؤال الاخير الذي ليس يترك
كم كان صعبا
فأغرق نكهة طعم القبول بدمع التأرجح
ومازال يحتاجها مرفأه وظل يئن لدفء امرأة
هي امرأة ٌ.. ربما اكثر
النساء جميعا ينادونها ياامرأة
وراح الامام
ومازال في القلب ظلم وجور
ومازال يحلم ان يبتدي وراء المعلم درس البداية
دارا ودور
ومازال ادم يبكي وحيدا ويحسد يوسف
فلا اخوةٌ رموه الى البئر لاذئبَ مرَّ ولامن قميص ٍ سوى جنة تغض البداية عن وعيه ، يريد الطفولة ، اين صباه ، اين الحكايا واين الخصوم واين النساء ؟ وهل كان يرضى بحواء انثى لو أن ….
وفز الامام
وكان الرضيع يخاف المساء (عدوك عليل)
فيا (للعليل)
فياللعليل وما اجرأه ويالك من سالم جزّأه
وشظـّاه نجمة َ خوفٍ هناك
وذكرى تحاورها المدفأة
فكم كنت وقت نباح الشتاء تخاف عليها
وكانت تحب النعاس لديك
تلملم زرقة ماظل منها وتغمض اخر نيرانها …….. تنام ولم تكملا قصة ً فياللشتاء
انام الامام ؟!
لماذا تركت الجميع بمفردهم وقد غبت كلك
اماكنت تعلم؟ هم وحدهم
وان المساء قيام الرصاص سينفخ في النخل صور الدماء
سيخرج من ضلع نحس الضحايا
غبيٌ عتيدٌ هجين اللسان
وتتبعه ثلة ٌ تائهة
واوصافه: شكلهُ شبهة ٌ
علاماته: بوحه تهمة ٌ
سيحرث كل دماء العراق بمحراث جهل ٍ
رصاصاته مدفوعة الثمن
ماذا؟ اخيرا؟
هذا الامام
أياسيدي عين امي هنا
أعن عين امي
(عليك) النخيل
عليك دموع الجنوب الحزين
توكل على النخل ان النخيل قديم الوقوف
كأنه في وقفة الفاتحة
ومس الامام جبين الصراخ وراح بعيدا
وكان الاريج رفيق التدفق
اين الرصاص؟
يقالُ الرصاصات اخترن ازواجهن
فكلٌ تعانق من تشتهيه
فهمت!
لِذلك راح الامام
ومازالت الفكرة النيئة
وماذا عن اللحظة السيئة ؟!!!!!!!!
قصيدة إبراهيم الخياط
(صباح الخير… بعقوبة)
صباح الخير على الشاخة
على الصبح ِ
على الأحبة
“ على شارع «الأطِبهْ
على المساطر المكتظة
بالفجر والعمال والعبوات
على «العَنافِصَةِ» الناطرة
على المُلايةِ «مائدة»
“ على «ماهي
على المقاهي
على السوقِ ما شاء الله
على المنارة الشاهدة
على المنارة الشهيدة
على أسرارنا النائمة
على مرقى «أبو ناظم» اليقظان
على الجيران
على العميد البلديّ
على «السراي» العظيم
على دارة السيد عبد الكريم
على «المحروك» الذي لا يرحلُ
ولا يُقيم
على «الشريف» وما طوى
على الجنة والجحيم
على السجن والحمامة
على المحافظ و»فوزية»
على الشهداء والقتلى
على المحطة والمسفـّرين
على قطار الساعة السابعة
على «السفينة» الموّارة
على الشَبوي
على مشكاة «مؤيد سامي»
على «ياسين» الدقيقة والحقيقة
والرؤى
عليكِ يا «أم النـّوى»
على جرف الملح ِ، وجرف الحلـّوِ،
وجرف الهوى
على القلقِ الشـمسـيّ
“عند الفوتو «حسن
على بنات الحسن
على البنات
على «شفته» العيون التي
تحلـَمُ بها العدسات
على الأقمار المخبوءة في العباءات
على النخل المثقف والنبق ِ
والفـَردقال
على قنطرة الغائبين
على الحالمين
علينا
على الكورنيش الذي عاد إلينا
على «المقر» العالي
على الليالي
على الرحيق المختوم
وعلى المعلم الجميل
خليل ….!
صباح الخير… صباح الخير..
عن حادثة فقدان الخياط يقول الأستاذ برهان الخطيب* رفيق الخياط في نضاله ضد الدكتاتوريات:» وانا اعود بيتي سمعت صوت التلفون يخبرني الرفيق نبيل ويقول هناك خبر مؤسف ابراهيم الخياط مات، تلعثمت وكذبت مسمعي وحاولت التهرب من الاجابة
ممكن ان تقول لي وتعيد ماذا قلت يا صديقي ؟؟؟ (نبيل) قال إبراهيم الخياط توفي .. وتسارعت الأحداث وذهبت الطب العدلي وجدت هناك الرفاق وبعض من وجوه الوفد المسافر الى عقرة فوجدتهم كلهم في حالة نوعا ما جيدة إلا مصاب ابراهيم القاتل.
طلبت من الاخوة رؤية إبراهيم وهو في غرفة الطب العدلي أخبروني سوف ننقله بعد قليل ويمكن أن تراه، كان الوفد مكون من سيارتين، نوع سيارة الحادث جارجر وارد امريكي بدون (اير باك)، والراحل ابراهيم الخياط كان في مقدمة السيارة / الصدر، الطريق بحركة / كزنه سايد واحد مزدحم وهو ليس الطريق الأمثل للذهاب الى عقرة !، والسيارة الصادمة (بيك اب) عسكري يقودها ضابط، ابراهيم الخياط يصدم بالدشبول والجامه الامامية بكل جسده وكانت سبب الوفاة
وصل بعد ساعة مدير الشرطة العام لمحافظة اربيل مشكورا ومسؤول مكتب محافظ اربيل طلب مدير شرطة اربيل العام التحقيق والإشراف على سير التحقيق بكل دقة ومعرفة من هو المذنب ومتابعة من كان موجود في الحادث، وفعلا دعوا كل المتسببين بالحادث وبدأ التحقيق معهم والسؤال عن الحادث، وتابع الموضوع ايضا السيد خسرو الجاف بشكل متواصل طوال فترة الحادث من خلال اتصالاته وتبليغه للجميع بالحادثه.
اخيرا فتحت أبواب الطب العدلي وطلبوا منا ان نخرج ابراهيم من الثلاجة ووضعها في الكيس، دخلت اول واحد ومعي الرفيق حيدر التميمي والرفيق وعد وتقدمنا نحو الجثة رفعنا الغطاء من فوق رأسه رأيته كانت الضربة قاتلة جدا وهناك نزيف في كل وجهه
وكدمات في صدره ادخلناها الكيس واقفل المحضر والقصة والقصيدة … كنا ننتظر أحد اعضاء الوفد يأخذ الجسد الطاهر الى بغداد لم نجد أحد من اعضاء الوفد لانشغالهم كما يقولون بـــ (عمر السراي) ثم أخذه الدكتور اسامه الشهيد الى بغداد وهو ممثل وزارة الصحة في الاقليم الى بغداد وحده
بعد ان اتصل مدير الشرطة العام لمحافظة اربيل بشرطة كركوك وقائد العمليات وتأمين الطريق بين بغداد وكركوك لتسهيل مهمة النقل الى بغداد، شكرا لكل من وقف مع الراحل إبراهيم ونشكر حكومة الإقليم والمدير العام لشرطة أربيل،
للمرة الأولى لم يخاطبني ابراهيم بكلمة اهلا ابا لمى، لأنه كان نائما ولم أفكر ان أزعجه.
كان يتألم من جراحه وشفتيه الجافة، رأيت ملامح وجهه وشفتيه تقول لي
سلامي لبعقوبة ليمونة خليل وصمون حمادة ومقهى الشبيبة والحسينية الشهيدة
على المنجرة والسراي والسويدية وأم النوى والعنا فصه ومساطر العمال وشربت حمدان، والسوق العتيق، قلت له يوصل حبيبي يوصل يوصل السلام والقصيدة
امضي فالفجر ياصاحبي قد دنا ….. حان موعد الشعر والموت والسنا
اعلم يا صاحبي أن هوى المطر …. ستكون جعفر المساء والورد والندى
بكيتك والرثاء غير كافيا ….. بيدي أغلقت كتابك وأطفأت شموع المسا
وإذ جسدك رحل بَغتَةً عنا ….. سيبقى وجهك في الطريق رحاب صادِيا
الجدير بالذكر ان الشاعر إبراهيم الخياط من مواليد 1960
*شاعر ثمانيني كتابة ونشراً، طورد واعتقل وسجن لانتمائه الى خطوط المعارضة اليسارية ضد النظام السابق، مدير (مستقيل) للإعلام في وزارة الثقافة 2005، عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق والناطق الإعلامي باسم الاتحاد، عمل في جريدة « طريق الشعب « البغدادية، له ديوان (جمهورية البرتقال).