يوجه الكتاب والصحفيون بعض العبارات الشائنة والقاسية عند أداء دورهم الصحفي والإعلامي، عبارات قد تشكل جريمة قذف اذا ما وجهت لأشخاص اعتياديين لكن بتوجيهها لشخصيات عامة يمكن ان تخرج عن إطار التجريم وتدخل في فضاء الإباحة ضمانا لحق النقد والتعبير عن الرأي والشخصية العامة هي التي تتولى منصبا يتعلق بالشأن العام أيا كان نوعه.
ويرى بعض فقهاء القانون ان الشخصية العامة طالما قبلت ابتداءً تولي شأن عام فأنها قبلت ضمنا ان تكون محلا للتقييم العام وهذا ما يوجب ان تترك للمواطنين والصحفيين مساحة اوسع لنقدها، كذلك فان المصلحة العامة توجب بيان من يصلح للقيام بالشؤون العامة ومن لا يصلح من خلال النقد والذي يمثل شكلا مهما من أشكال الرقابة الشعبية، لكن الإشكالية المهمة تكمن في كيفية نقد الشخصية العامة وطبيعة العبارات والصور ورسوم الكاركاتير المستخدمة في هذا النقد ومتى تعد العبارات والرسوم الموجهة للشخصية العامة تعبيرا ونقدا حرا ومتى تخرج عن مشروعيتها وتدخل في اطار التجريم.
في الحقيقة فان المتابع لآراء الفقهاء وتطبيقات المحاكم في العراق وبقية الدول يجد ان الامر مناط بتقدير قاضي الموضوع لكل حالة وواقعة والمحكمة هي التي تقدر متى يعبر الصحفي وناشر الرأي عن رأيه ومتى يرتكب جريمة قذف بحق الشخصية العامة وباعتقادي فان النقد يجب ان يقتصر على الاداء المهني والوظيفي للشخصية العامة لان هذا الاداء هو الذي يرتبط بالمصلحة العامة التي تهم الجمهور والتي لأجلها اقر حق التعبير ويجب ان لا ينصرف النقد الى الحياة الشخصية والأسرية للشخصية العامة لانها لا تؤثر في المصلحة العامة الا اذا تعلقت الأمور الشخصية بقدرة الشخصية العامة على أداء وظيفتها العامة كأن ينشر خبرا يفيد بـأن الوزير الفلاني مريض ويتم تسليط الضوء على حالته الصحية فان ذلك وان تعلق بأمر يمس الخصوصية الا انه لا يخرج عن قواعد حرية الصحافة والتعبير لان صحة الوزير وقدرته على اداء مهامه ترتبطان بالمصلحة العامة. وعلى اي حال فان نقد الشخصية العامة يكون مباحا مادام كان مقيدا بالجانب الوظيفي والخدمي حتى وان استخدم الصحفي عبارات قاسية وجارحة لان حق النقد قد لا يحقق غايته عند استخدام العبارات الرقيقة.
اما اذا امتد النقد للحياة الشخصية او استخدمت عبارات نابية او رسوم مشينة فإنها تمثل فعلا يوجب العقاب ،وفي الكويت فقد قضت احدى المحاكم بان نشر رسم كاريكاتيري يظهر فيه احد النواب على شكل ديناصور يتوسل ابواب الاحزاب للحصول على منصب خروجا عن حق النقد لان الرسم اظهر النائب بشكل مهين، وفي العراق فقد قضت محكمة استئناف الرصافة في احد قراراتها أن نشر المتهم لمقال وصف به اطباء محافظة ذي قار بـ»الطليان»، فيه تحقير لمهنة الطب والاطباء وللمشتكي باعتباره نقيبا لأطباء ذي قار حتى وان لم يذكر اسمه الصريح لان العنوان المهني يدل عليه وبذلك فان فعل المتهم يندرج ضمن منطوق المادة 434 عقوبات.
وقد ذهبت محكمة التمييز الاتحادية في احد قراراتها الى ان الصحافة يجب ان تبقى حرة في نشر ما تتوصل اليه من معلومات تتعلق بالفساد المالي والإداري وكان ذلك في دعوى اقامها احد الوزراء بحق احد الصحفيين ممن نشر مقالا في جريدة المرأة نعت الوزارة بأنها وزارة برائحة الفساد الاداري وتأسيسا على ذلك فان المساحة المتاحة في نقد الشخصيات العامة اوسع من تلك المتاحة تجاه الأفراد العاديين لتوسيع قاعدة الرقابة الشعبية والإعلامية على كل شخص يشغل منصبا عاما.
القاضي إياد محسن ضمد