ليس دفاعا عن النائبة هيفاء الامين وما تبقى من حطام عميد الاحزاب السياسية (الشيوعي العراقي) والذي تناولت احواله وسياساته ودقلاته واوضاعه البائسة في العديد من الكتابات والمناسبات، لكن دفاعاً عن الحقوق التي منحتنا اياها الأقدار العابرة للمحيطات؛ أي حق العيش بعيدا عن التبعية والخنوع والاذلال والابتزاز وسياسات تكميم العقول والافواه، التي بسطت هيمنتها المطلقة علينا لأكثر من نصف قرن. تلك الممارسات والتقاليد التي يسعى الكثير من غيلان حقبة الفتح الديمقراطي المبين لاعادة انتاجها تحت حجج وشماعات واهية. فزعة تعيدنا بعدوانيتها وقسوتها الى أيام الحنابلة ومفارز “المحتسبين” وصولاتهم العنترية لـ”الامر بالمعروف والنهي عن المنكر” انطلقت وبشكل مبرمج ضد هذه النائبة وما تمثله من شحنات ورموز مارقة و”سافرة” بنظر المتنطعين لنصرة “الفضيلة” والعفة والتقوى وغيرها من العناوين التي تجرع العراقيون تطبيقاتها وتجلياتها المرة في العديد من محطات تاريخهم الحديث. النائبة اعتذرت ولكن عن ماذا.. هي نفسها لا تدري أو حاولت الهروب عما يفترض بها الاعتذار منه وهو ركاكة خطابها وعمقه الثقافي البائس. لكن مثل هذه المواقف الهشة والغامضة ليست بجديدة على ما تمثله من نهج وتقاليد، يمكن التعرف عليها في مواقف قيادة الحزب الشيوعي العراقي منذ العام 1959 عندما اعتذرت عن وقائع واحداث (في الموصل وكركوك) كانوا هم من ضحاياها، وهذا ما شجع الزعيم عبد الكريم لشن هجوم ظالم عليهم في خطابه المعروف بكنيسة (مار يوسف) والذي انتهى بنا الى “جمهورية الخوف” و “ولايات الخوف” والقادم انكس.
ما الذي يقبع خلف هذا العجاج الذي اثارته مثل هذه الفزعات؟
بمقدور المتابع الحصيف لها ان يكشف استنادها لارث طويل وراسخ في تاريخنا القديم والحديث، ارث يتقن فن توجيه الضربة لمن هو هش و”حايط نصيص” كي يتعظ من يهدهد في سره حلماً. وكل من ما زال يقبض على شيء من عقله وضميره يعرف ان ما نطقت به النائبة، لا يشكل عشر معشار ما ينطق ويثرثر به غير القليل من سياسيي ونجوم المشهد الراهن (ايريدوها زغار زغار ايريدوها كبار كبار)، الا ان خلفهم فصائل وعشائر وجماعات مسلحة كفيلة بلجم كل من تسول له نفسه باستعراض فضائله وتقواه امام مقراتهم واقطاعياتهم الحزبية والسياسية (وهذا ما تعرفه السلالات المرعوبة التي رضعت موهبة الصمت لعقود) كما ان هذه الفزعات هي جزء من نشاط متعدد الحلقات له وجوه تشريعية واخرى تنفيذية تستهدف ما يمكن أن ينضح مستقبلاً عن التجربة الديمقراطية الفتية، والتي يفترض انها ستنتصر في النهاية لقوى وملاكات مفعمة بالوعي العميق وروح الايثار والقدرة على تقديم أفضل الخدمات، قوى ومشاريع تعيد للدولة الحديثة ومؤسساتها وقوانينها هيبتها وسلطتها، وهذا ما لا تطيقه عتاوي الديمقراطية المباركة.
بغض النظر عما آلت اليه أحوال الحزب الشيوعي العراقي من ضعف وهوان لاسباب تم التطرق اليها كثيراً، وهي أحوال شجعت حتى حثالات البشر للانخراط في الحملات التي لم تفتر يوما في النيل منه، لا سيما وهم مطمئنون من ان تلك الحملات المسعورة، ستبقى من دون رد ورادع كما جرى في محطات سابقة حيث يتم فيها “القاء القبض على الضحية واطلاق سراح الجاني”، ليحكم اللصوص والمشعوذين والقتلة قبضتهم على وطن اصبح فيه الافلات من العقاب تقليدا وفولكلورا يستند الى اساس وطيد من ثوابت امة أضاعت “رسالتها الخالدة” في آخر القادسيات..
جمال جصاني