كانت القناعة والحياة البسيطة الخالية من العُقد و”التعقيدات” , تمثل أحد أهم سمات ومُقومات وعماد المجتمع العراقي، فضلاً عن كونها ركيزة مهمة ودليلاً على قوته ومكانته وتماسكه وحيويته ومصداقيته ومقبوليته وتتطوره. فعلى الرغم من الظلم والاضطهاد والقمع والغزو والغدر والتهميش والإحتكار والإحتلال والسلب والنهب والسرقة .. التي تعرّض لها شعبنا عبر التاريخ .. إلا أنه ظل كما يقولون باللهجة العامية “على نياته” صامداً قانعاً مؤمناً بالقضاء والقدر و”القسمة والنصيب” رافعاً في الوقت ذاته شعارات المرحلة التاريخية ومنها “بعض الشر أهون ” و”اليوم أحسن من باجر” أو “منو أبو باجر ” و”اللي إلك .. ميصير لغيرك ” و” اللي خلّف ما مات” و”خيرها بغيرها” و”على نياتكم ترزقون” و” اللي تلدغه الحية من أيده يخاف من جرة الحبل” و”القناعة كنز لا يفنى” و”الباب اللي يجيك منه ريح سده واستريح” !
ووفقاً لذلك فإن البعض قد “ربط” مصيره المستقبلي واستقرار بلاد العباد الواسعة بشرط وجود “الكهوة والتتن” ومنهم شباب الأمس “الفتية” الذين آمنوا بإن “الكهوة والتتن” و”النركيلة” أهم المقومات التي يمكن توافرها في المجتمع لحل مشاكل المنطقة وأزماتها الراهنة مرددين أغنيتهم الشهيرة طرباً “ماطول كهوة وتتن كل الأمور تهون” وهذا يعني أنه لا مشاكل بعد اليوم.. طالما أن القهوة العربية “المُرة” و”التبغ” المستورد الذي يثقب الرئتين ويفتك بهما متوفران في المقاهي والبيوت !
“النركيلة” هي التسمية التي يطلقها العراقيون على “جهاز” التدخين الذي يُطرب مُدمنيها على سمفونية “قرقرات” وفقاعات الماء المنبعثة من داخل الدورق الزجاجي مع كل “سحبة نفس” أو استنشاق عميق.. حيث يساعد ذلك عشاقها “حسب ادعائهم” على الوصول الى النشوة والراحة والاسترخاء وتعديل المزاج الى “ررررايق ” جداً .. والتحليق بهم الى عالم آخر ينسيهم ولو لمدة قصيرة “الهموم ” والأوجاع اليومية والقضايا المصيرية !
في بلاد الشام يطلقون عليها اسم “الأركيلة” أما في مصر فيسمونها “الشيشة” حيث يستخدمونها للتدخين ولهم فيها أيضاً “مآرب أخرى” بحسب خبراء “الفرفشة ” والمزاج هناك !
وبما أن شعوبنا، كما أسلفنا، “على نياتها” فإن ذلك قد عرّضها عبر التاريخ الى أبشع أنواع الاستغلال من قبل الغزاة والمحتليــــــن والطــــامعـين والطامحين والحكام والإعلام والأحزاب والجيران والغربان والخلان!
فأصبحت شعوبنا أسيرة “الشعارات” التي كان يطلقها ويطبل لها كل قادم جديد.. فيصدقها المساكين وبعد أن “يقع الفأس بالرأس” يكتشفون “كذب” ذلك القادم وزيف ما أدعاه!.. ليعيدوا الكرّة والتجربة مع الآخرين من جديد.. وهكذا دواليك، ما جعلنا نركض سريعاً الى الوراء و”نحبو” الى الأمام بخطوات واثقة ! وظل الحال هكذا.. وشعوبنا تُلدغ من الجحور ذاتها “عشرات ” المرّات بدلاً من “المرتين” فقط وهي الحد الأدنى المقرر والمسموح بها حسب قانون اللدغ.. وقد يرتفع عدد “اللدغات” و”العضات” الى آلاف المرات فتضرب بذلك الرقم القياسي ..وتدخل موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية، ومع هذا يبقى الحال على ما هو عليه من دون تغيير .. لم يأخذوا العبرة.. ولم يتعلموا الدرس… وكأن شيئاً لم يكن.. وبدلاً من ذلك تلجأ شعوبنا بعد كل “مصيبة” أو “أزمة” الى “النركيلة ” لتأخذ “نفساً عميقاً” وتردد بنغمة حزينة ” هذا قدر ومكتوب علينا.. يازمن”!
- ضوء
من الغباء ان تعتقد ان الاخرين اغبياء! - عاصم جهاد