الصباح الجديد ـ وكالات:
تفقد الخزينة العراقية، التي تعتمد بنسبة 90% في ميزانيتها على النفط الخام، مليارات الدولارات، بفعل تهريبه من قِبل متنفذين، إلى دول أخرى باستخدام قوارب صيد، وشاحنات.
وطرح رئيس الحكومة، عادل عبد المهدي، ملف تهريب النفط، الذي تسبب في إهدار الموارد وتراجع الخدمات، وهو ما أثار سلسلة احتجاجات شعبية كادت تطيح بالنظام خلال الصيف الماضي.
ومن أبرز الوثائق الرسمية التي تحدثت عن هذه القضية، تقرير الشفافية الصادر في 2006 عن مكتب المفتش العام بوزارة النفط، وحمل عنوان «تهريب النفط الخام والمنتجات النفطية».
ولم يستمر عمر الملف طويلاً، إذ أُتلفت الوثائق المرتبطة به مباشرة بعد نشره للرأي العام، ولم يصدر تقرير بعده إلى يومنا هذا.
التقرير تحدث بالأرقام عن عمليات التهريب التي تمت في 2005 وتداعياتها الاقتصادية، مقدِّراً الأموال التي جرى الاستيلاء عليها بما قيمته مليار دولار، مشيراً إلى أن التهريب يجري عن طريق الموانئ الجنوبية في البصرة باتجاه الإمارات، ودول أخرى.
وبحسب التقرير، فإن عمليات التهريب تجري باشتراك من بعض الدول المجاورة وبمشاركة مسؤولين في الدولة ومشرفين على القطاع النفطي، وبتواطؤ من عناصر بالشرطة والجمارك العراقية.
تمويل جهات متنفذة
وبرغم عدم إصدار مكتب المفتش العام التقرير الذي أتى عليه الحريق، بعد أن خلصت التحقيقات الحكومية إلى أن الحريق قضاء وقدر، فإن جهات رسمية أميركية قدمت للعراق، نهاية آذار الماضي، تقارير عن تهريب النفط.
ووصلت هذه الجهات إلى أن 56 جهة عراقية تشارك في عمليات التهريب، والأموال المحصّلة تُقدَّر بنحو 4 مليارات دولار سنوياً، بحسب مصدر في وزارة الداخلية العراقية.
المصدر قال لـ»الخليج أونلاين»، مفضِّلاً عدم ذكر اسمه: إن «الجانب الأميركي وفَّر معلومات تفصيلية لحكومة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، ورئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي، عن حجم عمليات التهريب، والجهات المستفيدة من هذه العمليات».
وأضاف: «المعلومات تشير إلى أن 10 جهات متنفذة مشاركة في الحكومة الحالية متورطة بعمليات التهريب، عن طريق موظفين في الدرجات العليا، هي من عيَّنتهم، ويدينون لها بالولاء، ويُهرِّب هؤلاء النفط من خلال المنافذ بالتعاون مع فاسدِين».
وتابع المصدر: «وبحسب المعلومات، فإن 40 جهة مسلحة تسهم في عمليات التهريب، من خلال مناطق نفوذها باستخدام أساليب مختلفة، وتمول هذه أنشطتها من خلال ملايين الدولارات من العائدات اليومية».
واستدرك المصدر بالقول: إن «الجهات آنفة الذكر تستخدم المنافذ الجنوبية والغربية لتهريب النفط باتجاه الإمارات. أما المنافذ الشمالية فتستخدمها 6 جهات كردية في تهريب النفط من آبار الشمال بكركوك وفي إقليم كردستان باتجاه إيران».
المصدر أشار إلى أن «جهات أمنية عراقية توصلت إلى أن معظم النفط المهرَّب عبر الجنوب يذهب إلى الإمارات، ومن جهة الشمال يذهب إلى إيران وتركيا، إذ يباع برميل النفط بأقل من 36 دولاراً للبرميل».
وبيَّن المصدر أن عمليات التحري أوصلت المحققين العراقيين إلى وثائق تظهر عليها أختام موانئ وشركات إماراتية على النفط العراقي المهرب.
وكشف أن «معظم الأموال المحصَّلة من التهريب تودع في بنوك بإمارة دبي، وحكومة عبد المهدي بدأت بالتواصل مع الجانب الإماراتي بهذا الخصوص من دون إعلان ذلك، لعدم إثارة الجهات السياسية وغيرها التي يمكن أن تضغط لوقف جهود التحقيق كما فعلت في السنوات الماضية».
صراع دامٍ على الموارد
وتشهد مدينة البصرة صراعاً دامياً بين الجهات المتنفذة بين الفينة والأخرى، في إطار سعيها للحصول على حصةٍ أكبر من موارد التهريب، بحسب هادي الفريجي الأكاديمي والباحث البصري.
الفريجي قال، إن «تهريب النفط في المدينة أدى إلى نشوء مافيات تضم المهربين والوسطاء والمتعاونين ضمن المؤسسات الحكومية. كما تؤدي بعض العشائر دوراً محورياً في الوساطة بين مختلف الأطراف، بحكم مناطق نفوذها التي تمر منها الخامات المستخرجة من الآبار».
وأضاف الفريجي: «بات معروفاً لدى أهالي المنطقة ما هي الجهات المتورطة في عمليات التهريب».
وأشار الفريجي إلى أن «الموانئ يتنافس عليها الجميع، إذ تمت السيطرة البعض على ميناء أبو فلوس الذي يعد مركزاً رئيساً للتهريب، وعلى ميناء أبو الخصيب العميق الذي ترسو فيه السفن الكبيرة».
وشهدت البصرة في السنوات الماضية اشتباكات أكثر من مرة بين هذه القوى، إثر خلافات تتعلق بمناطق النفوذ والسيطرة.
طرق تهريب النفط
وعن الكيفية التي يجري من خلالها تهريب النفط، كشف الفريجي الناشط المدني المهتم بمكافحة الفساد، أن عمليات التهريب تجري في الغالب باستخدام زوارق خشبية لصيد الأسماك توجد في مياه شط العرب.
وأوضح أن وِجهتها تكون المياه الدولية في الخليج العربي، ومن هناك تتجه الشحنات إلى موانئ الإمارات العربية، التي تتغاضى عن عمليات التهريب.
ويستطرد بالقول: «هناك طريقة أخرى يعتمد عليها المهربون في الحصول على الخام، من خلال تتبُّع الشبكات الناقلة للنفط، إذ يحصلون على خرائطها التفصيلية من موظفين معنيين، وفي الأماكن النائية تُثقب الأنابيب ويُحصر الخام في أحواض من الرمل على شكل آبار اصطناعية، ومنها تأتي السيارات الحوضية لنقل الخام».
الفريجي كشف أن عمليات التهريب الكبرى ينفذها حيتان التهريب المرتبطون بالأحزاب المتنفذة، إذ يجري التحايل على العدّادات التابعة لوزارة النفط.
وأشار إلى أنه تجري تعبئة زوارق محلية، حمولتها لا تتجاوز 20 طناً، وهذه بدورها تذهب بالنفط إلى باخرة إماراتية خارج المياه الإقليمية العراقية، إذ يباع الخام لها، ويجري تسلُّم المال إما مباشرة وإما بإيداعه في حسابات بإمارة دبي.
يشار إلى أن البواخر التي تنقل النفط المهرَّب لا تملك أوراقاً رسمية بحمولتها، وتحمل نفطاً غير شرعي بحسب القانون الدولي، لذلك يعد استقبال الموانئ الرسمية إياها مخالفة قانونية، وشكلاً من أشكال القرصنة.
*عن موقع الخليج أونلاين