ديفيد بولوك
في العاشر من نيسان/أبريل، مباشرةً بعد فوز رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو «في الانتخابات الإسرائيلية»، أشار مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون إلى أنه سيتم الإعلان عن خطة الرئيس ترامب للسلام الإسرائيلي-الفلسطيني «في المستقبل القريب».
وبعد اسبوع من ذلك التاريخ، أُفادت بعض التقارير بأن مستشار الرئيس الأميركي والمشرف على الخطة، جاريد كوشنر، أخبر الدبلوماسيين في «بلير هاوس» أنّه سيتم الإعلان عن الخطة في أوائل حزيران/يونيو، حالما ينتهي شهر رمضان، ويتم تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة كما يُتوقع. وما لم يحصل أي أمر غير متوقع، فستبصر خطة ترامب النور قريباً.
ويتعارض ذلك مع نصيحة بعض أفضل الخبراء الأميركيين في المنطقة، الذين لا يخشون فشل الخطة فحسب، بل رد الفعل العكسي الخطير ضدها. ومن شبه المؤكد أن تكون الخطوة الأولى في سلسلة ردود الفعل هذه هي الرفض الفلسطيني الرسمي والفوري للمقترحات الأميركية بمجرد الكشف عنها. وحتى سفير إسرائيل في واشنطن، رون ديرمر، قال شبه ممازحاً لمسؤول في البيت الأبيض، جيسون غرينبلات، هذا الاسبوع، «يقولون إنّ مفتاح السلام يكمن في خفض سقف التوقعات. لذلك أعتقد أنك تسير على قدم وساق».
وفي الواقع، رفضت السلطة الفلسطينية فعلاً وعلى نحو استباقي الخطة التي لا تزال سرية. وبناءً على سلسلة من التلميحات المبهمة بل الواضحة من جانب واشنطن، يشتبه مسؤولو السلطة الفلسطينية إلى حد كبير بأن الخطة لن تَطرح أو حتى لن تَعرض التفاوض بشأن قيام دولة فلسطينية ذات سيادة لها قاعدة سياسية في القدس. وفي هذا السياق، أعلن رئيس وزراء السلطة الفلسطينية الذي تم تنصيبه مؤخراً، محمد أشتية، أن الخطة «ستولد ميتة»، في حين اقترح الرئيس محمود عباس عقد قمة مع نتنياهو وفلاديمير بوتين في موسكو كبديل لأي محادثات بشأن الاقتراح الأميركي.
ومع ذلك، قد يقرر ترامب المضي قدماً وإطلاق الخطة في الأسابيع المقبلة. لذلك حان الوقت للنظر في الكيفية التي سترد فيها جميع الجهات الفاعلة على هذا الإطلاق وكذلك الرفض الفلسطيني المتوقع.
وفي واشنطن، حذّر المسؤولون السلطة الفلسطينية من أنه ستكون هناك «عواقب» إذا رفضوا الخطة. ومن بين العواقب التي أفادت بعض التقارير أنها قيد النظر هي قبول الولايات المتحدة بضم إسرائيل لبعض مستوطنات الضفة الغربية، مما يردّد اعتراف ترامب الأخير بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان.
ورداً على سؤال ٍطُرح على وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في 12 نيسان/أبريل بشأن ما إذا كان يَعتقد أن ضم الضفة الغربية سيؤدي إلى إلغاء خطة السلام، أجاب، «لا، لا أعتقد ذلك». ونظراً إلى الطابع غير الرسمي لهذا التعليق والتراجعات المتكررة في سياسة الإدارة الأميركية، فمن غير الواضح ما إذا كان الدعم لضم الأراضي قد أصبح الآن سياسة أميركية رسمية. ومع ذلك، فإن التهديد الضمني لمثل هذا الإجراء يبدو واضحاً تماماً. ولكن ما الذي يمكن أن ينجزه ضم الأراضي، حتى لو كان ذلك يطال عدداً ضئيلاً من الكتل الاستيطانية الإسرائيلية؟ من شبه المؤكد أن ذلك لن يقنع الفلسطينيين، كما يجادل بعض المتطرفين، بالتفاوض خوفاً من خسارة المزيد إذا استمروا في مقاطعة الولايات المتحدة. فما قد يفعله هو نفور الحكومات العربية والأوروبية والآسيوية التي ربما تعتمد عليها الجوانب الاقتصادية لخطة ترامب، مع إغضاب الكثير من الأميركيين أيضاً.
ولهذا السبب، ينبغي على الإدارة الأميركية أن توضح أن هذه «العاقبة» ليست خياراً، من الناحية المثالية من خلال التخلي عن فكرة ضم الأراضي الأحادي الجانب في نص الخطة نفسها. وتتمثّل العقوبة الأكثر فعالية للرفض الفلسطيني في المضي قدماً في المناقشات الدبلوماسية مع إسرائيل والآخرين بشأن الخطة، الأمر الذي من شأنه أن يضغط على السلطة الفلسطينية للانخراط فيها مجدداً.
وبدوره يمنح ذلك نتنياهو سبباً كافياً للامتناع عن القيام بخطوة استفزازية عديمة الجدوى مثل ضم الأراضي. فصحيح أنه سيظل يواجه ضغوطاً سياسية داخلية للتحرك في هذا الاتجاه. ومع ذلك، فقد فشل بعض المنتمين إلى اليمين الأكثر تطرفاً المناصرين للضم – نفتالي بينيت، وأييليت شاكيد، وموشيه فيغلن، وأحزابهم الصغيرة المنشقة – في الحصول على ما يكفي من الأصوات في انتخابات هذا الشهر ولن يشغلوا أي مقاعد في الكنيست. وصحيح أن نتنياهو سيحتاج على الأرجح إلى أعضاء ائتلاف «اليمين المتحد» الموالي لضم الأراضي لتشكيل حكومته المقبلة، لكن نفوذهم سيكون محدوداً بسبب أعدادهم الصغيرة نسبياً (خمسة مقاعد).
أمّا بالنسبة لاتهامات الفساد المعلّقة والموجهة ضده، فلدى نتنياهو صفقات سياسية أخرى تحت تصرفه إلى جانب ضم الأراضي لدرء المشكلات القانونية. على سبيل المثال، إنّ كل ما يلزم للحفاظ على الحصانة من الملاحقة القضائية التي يتمتع بها بالفعل كعضو منتخب في البرلمان هي أغلبية بسيطة أو حتى تصويت لجنة في الكنيست.
ويتعيّن أيضاً الأخذ في الاعتبار المعارضة الإسرائيلية الجديدة التي يقودها «حزب أزرق أبيض» برئاسة بيني غانتس الذي حصل على 35 مقعداً من أصل 120 مقعداً في الكنيست في محاولته الأولى، وهو ما يضاهي تقريباً حزب «الليكود» الموقر الذي يرأسه نتنياهو.
وبغض النظر عن رد فعل رئيس الوزراء على خطة ترامب، من المرجح أن يرحّب غانتس وشركاؤه بها كرجال دولة. ففكرة استعمال الخطة لتشجيع قيام حكومة «وحدة وطنية» أوسع نطاقاً قد تلاشت مع نتائج الانتخابات الحاسمة، ولكن إيماءة مهذبة من جانب غانتس تجاه الخطة فور إطلاقها سيُؤدي إلى النظر إلى المعارضة الرئيسية في إسرائيل بنظرة إيجابية وستحظى بجماهير رئيسة في كلا البلدين.
أما بالنسبة إلى «المعارضة الأميركية»، فسيميل الديمقراطيون بشكل طبيعي إلى التنديد بأي خطة يطلقها ترامب، لا سيّما تلك التي لا ترقى إلى مستوى عروض السلام الأميركية والإسرائيلية السابقة. لكن ذلك لن يحقق شيئاً دبلوماسياً، في الوقت الذي سيزيد فيه للأسف الاستقطاب الحزبي المدمر للسياسة والمجتمع الأمريكي والعلاقة مع إسرائيل. وعلاوة على ذلك، إذا افترضنا أن غانتس وغيره من المعتدلين الإسرائيليين يرحّبون بالخطة، فإن رد الفعل المفرط للديمقراطيين سيخاطر بالتخلي عن نصف الناخبين الإسرائيليين الذين صوتوا للتو ضد المعسكر اليميني.
يشار إلى أنّ الرد الديمقراطي الأكثر فائدة يكمن في عدم التسرع بالحكم وتبني موقف «انتظر وسترى» فيما يتعلق بالخطة – شريطة ألا يرد ترامب أو إسرائيل على الاعتراضات الفلسطينية بإجراءات عقابية صارمة. وفي هذا السياق، سيكون من المفيد تقديم الخطة (باستعمال إحدى كلمات مهندسيها) بوصفها «رؤية» للمرحلة المقبلة من العلاقات العربية-الإسرائيلية بدلاً من التسوية السلمية الوحيدة التي ستوافق عليها الإدارة الأميركية دون سواها.
أما بالنسبة للحكومات العربية، فإن استجابتها الأكثر حكمة والأكثر واقعية لخطة ترامب على المدى القصير ستكون ببساطة الإشارة إلى أنها تستحق المزيد من الدراسة المتأنية، حتى وإن كان ذلك في وجه الرفض الفلسطيني الفوري. ومما لا شكّ فيه أن بعض الزعماء العرب قد يرفضونها رفضاً قاطعاً وفقاً لمحتوياتها، سيّما إذا لم تستبعد الضم الإسرائيلي لأراضي في الضفة الغربية. ومع ذلك، من غير المحتمل أن يتخذوا أي إجراءات ضد الخطة، ويرجع ذلك أساساً إلى أن القضية الفلسطينية لم تعد على رأس أولوياتهم (باستثناء ربما بالمعنى الخطابي). وسوف تميل بعض الحكومات العربية إلى استعمال الخطة كأداة للضغط، بمعنى «سنقدم بعض الدعم الدبلوماسي أو الاقتصادي لمقترحاتكم للسلام لو تقومون ببيعنا المزيد من الأسلحة أو تعرضون علينا حتى قدراً أكبر من حرية التصرف كما نرغب في بلداننا وخارجها». ولكن سيكون في مثل هذا الموقف مبالغة في تأكيد سيطرة هذه الحكومات. فهي بحاجة إلى دعم الولايات المتحدة فيما يتعلق بالتحديات الإقليمية الأخرى أكثر بكثير مما تحتاج واشنطن إلى القيمة الهامشية التي تضيفها هذه الحكومات إلى عملية صنع السلام الإسرائيلي-الفلسطيني. وبالتالي، فإن احتمال حدوث مثل هذه المبالغة في رد الفعل العربي الشديد، رغم أنه حقيقي، يبقى ضئيلاً جداً.
وأخيراً، فإنّ الفلسطينيين أنفسهم هم الأكثر عرضة للخطر. إذ تعارض قيادتهم بنحو قاطع أي خطة سلام يقترحها ترامب، غير أنهم يستحقون ما هو أفضل، ويدركون ذلك. وفي هذا الصدد، تشير استطلاعات الرأي العام إلى أن معظم الفلسطينيين ينظرون إلى المقاطعة الدبلوماسية للولايات المتحدة كخطأ. كما يبدو أنهم مستعدون أيضاً للتوصل إلى تسويات مع إسرائيل يرفضها قادتهم منذ فترة طويلة دون نهاية طيبة. وعلى وجه الخصوص، وفيما يتعلق بالمليوني فلسطيني المحاصرين في غزة، فإن معظمهم يريدون وظائف في إسرائيل وليس عصابات «حماس».
وفي الوقت الحالي، لا تتمتع حكومة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ولا نظام «حماس» في غزة بالديمقراطية، لذلك سيكون من الصعب على الشعب الفلسطيني التخفيف من تعنّت قادته. ومع ذلك يمكنهم بالتأكيد إسماع أصواتهم. وحتى بعض الدعوات الشجاعة لمناقشة خطة ترامب بدلاً من انتقادها بشدّة، من شأنها أنّ تخفف من غضب الإدارة الأميركية على السلطات الفلسطينية كما قد تُبقي الباب مفتوحاً أمام الحوار في المستقبل، الذي ما يزال الخيار الأفضل على المدى الطويل.
ومن المحتمل أن تتجاهل بعض الجهات الفاعلة النصيحة السابقة، لكن هذا ليس سبباً كافياً لمنحها حق النقض («الفيتو»). فعلى العكس من ذلك، سيستفيد كل طرف من تطبيق هذه الاقتراحات، حتى (أو ربما على وجه الخصوص) إذا لم يستفد الآخرون. فهذا على الأقل سيوضح من الذي يؤيد حقاً إحراز تقدم نحو قيام سلام عربي-إسرائيلي ومن الذي يقف ضده.
ديفيد بولوك هو زميل «برنستاين» في معهد واشنطن ومدير «مشروع فكرة».
معهد واشنطن