كان الاهتمام بالجسد منذ القدم عند الإنسان لكنه لم يكن سوى صورة جمالية ـ معرفية يتخيلها فحسب تؤدي دورها المعرفي الجمالي دون ان يفكر بالجسد مستقلا، باعتباره جزء من قيمته الشكلية و المادية، هذه النظرة الارسطية ( التمايز الماهوي) لم تنفك تتردد حتى في اقصى درجات الانفصال في الفلسفة الديكارتية المثالية ( اسبقية الفكر على الوجود) التي عزت للفكر وقوعه على حقيقة الجسد، لما ادرك إنه يمكن ان ينفصلا قبل الفناء (الموت) في ماهيتين متمايزيتين و لقد صارت موضوعة الجسد تستقطب اليوم اهتماما بالغا في الفكر الفلسفي والعلمي، لكن ظلت تلك الفكرة؛ فكرة الانفصال تتطور مع المتغيرات الفلسفية و العلمية و نظرتها للجسد و تناولها له، لنجد ان الانفصال استوعب في إطار الفضاء الافتراضي الذي شكل إمتدادا معرفيا و جماليا، حينما اكتشفت ماهية الفضاء العلمية وميز بينه و بين الفراغ، مثلما تبين إن الجسد انواع في خاصيته الانطباعية و النفسية، وهنا يهمنا النوع الجمالي النفسي إذا ما قورن بوعي الإنسان لعلاقة الجسد ككتلة تشغل مساحة بالفضاء( اطلق عليه خطأ الفراغ) كي نتعرف على الجسد الانثوي و الجسد المغاير( الرجولي) و الجسد الحيواني و الجماد، و لعل التصنيف الجمالي للجسد قد اخذ مساحته من الاهتمام في مرحلة الحداثة و ما بعد الحداثة، و حاز الجسد الانثوي في ذروة الحداثة النمط الكوزموبولتي المعولم حينما ارتبط بثورة الميديا فجعل نموذجا ( موضة) لعالم الثورة السبرنيطيقية، لكن الجسد كان قبل ظهور الحداثة لصيق المعمارية الشكلية للعالم الجمالي خاصة الجسد الانثوي، رغم ان الانثوي طل مصاحبا وعي الإنسان منذ القدم في التمثل الايقوني للمرأة في مفاتن جسدها، لكن تلك المفاتن انحصرت في حدود النفعية و الذرائعية إذ هيمنت المرأة بجسدها الطوطمي المعبود او المعرفي الجمالي كقيمة مستقلة عن النفعية الاستهلاكية، إلا حينما جاء عصر هيغل و ماركس ، و اثيرت فكرة التخارج او الاغتراب كقينة مؤثرة في الضغط المعرفي كونها اداة و عاملا يلعبان دورا في انفصال المرء عن وعي، بدأت فكرة الاغتراب تقيد الجسد في نزوعه الاستهلاكي، و إن كان للجسد فائض قيمة انتاجية فقد تسبب استقلاله عن مالكه في تحوله لسلعة، مما زاد في تحميله قدرة معرفية و جمالية بشروط الفن التشكيلي، فبدا الجسد مغتربا عن وسطه الكائن ( الإنسان) فصار يقاس جماليا بدل صاحبه ف مصطلح (فولزكيلز الفتيات الصغيرات)او انموذج( مادونا و شاكيرا) الجسد الانثوي الذي يملك مساحة جمالية يظهرها في مجال الاحساس بالجمالي المعرفي المعولم لكنه المغترب عن مالكه، لأن الجمالية تشيأت وصار الفضاء الافتراضي معيار الجمال لحمله المعرفة الاستهلاكية بدلا من الواقع الفيزيقي، و صار الحكم المعرفي للجسد عوضا عن الحكم الجمالي، فالإعلانات المتلفزة اعطت للجسد ميزة الاندماج المعرفي على حساب الانتاج الجمالي.
عبد الغفار العطوي