يحصر أصحاب البيوت القديمة بين المطرقة والسندان
بغداد – وداد ابراهيم :
على امتداد الشارع المقابل للقصر العباسي في جانب الرصافة من بغداد بيوت، وابنية تراثية تعود لحقب مختلفة، وما يميزها عن بعضها الزخارف، او شكل البناء، والمواد التي استعملت في انشائه، شناشيل، وابواب مغلقة، وهدوء يعم الزقاق، وشيخ كبير يجلس على كرسي امام بيته التراثي الذي يشعرك بأنه سيتهدم بعد لحظات.
منذ اربعينيات القرن الماضي، وعبد الله محمد الخفاجي يعيش في هذا البيت التراثي الساحر المقابل للقصر العباسي في بغداد، ويجده لايقل أهمية ، وجمالًا عن ذلك القصر الذي امتد لسنوات من دون ان يعيش فيه احد، فهو للملوك، وبيته للفقراء، وبيوت الفقراء اكثر حياة من القصور.
هذا ما يعتقده هذا العراقي البسيط، وهو يؤرخ دخوله الى هذا البيت على وفق الملابس التي كان يلبسها اهل الرصافة حينها فيقول: عشت في هذا البيت حين كان اهل بغداد يلبسون (الصاية والعرقجين) مع شقيقتي الكبرى، وزوجها حتى توفيت. والبيت لم يكن بهذا الشكل المتهدم والمتهالك، كان غاية في الجمال، والاتساع، فيه باحة كبيرة تتوسط البناء، وحولها غرف كثيرة، وبجانبه بناء ملحق به، يعيش فيه ابن شقيقتي، الا ان الملحق تهدم بنحو كامل، ولم يبق منه الا (السرداب)، وسرداب بيتي ليس بعمق كبير ، لذا هذا السرداب هو الاكثر قوة، ومتانة في كل البناء. واكمل عبد الله وصفه للبيت: في البيت ممر، ومن ثم باحة كبيرة جداً اعيش فيه مع عائلتي الكبيرة، ومعي اولاد، واحفاد شقيقتي من دون ان نشعر بضيق المكان بل كنت، وحتى الان اشعر بأن العيش فيه يعني الحياة، واشعر ان هناك الكثير من الخير يطرق بابي وانا فيه، لانه ينتمي الى زمن مضى، والى اناس كانوا يعيشون حياة الطيبة، والبساطة، والمحبة، والتعاون.
اما عن بنائه، اوترميمه من قبل دائرة التراث فقال: نعم يطرق بابي الكثيرون للتجول فيه، ومن ثم الوعود ببنائه، او ترميمه، ويلتقطون له الصور على ان يعودوا لي بعد فترة من اجل ترميمه، فأنتظر ولااحد يأتي، وانت الان هل سترممينه ام تعيدي بناءه؟
سيدة بدينة دعتني للدخول الى البيت وهي تقول لي: هل سترممونه؟ فلم يبق فيه الا الباحة. وازاحت ستارة من القماش وكشفت لي عن باحة كبيرة مهدمة وتطل على الشارع المقابل لبيت الحكمة وهي تقول: لم يبق فيه الا السرداب حيث ننام فيه فهو الاقوى في هذا البيت. واذكر اننا كنا ننام في السطح، والان حين تهب الريح اشعر بأننا قد نتطاير الى الشارع، وكثيراً ما استفيق من حلمي واجد نفسي في مواجهة الشارع.
واخذتني لمشاهدة المطبخ فأذا بزاوية في الحائط لا تصل الى نصف متر وضعت فيها طباخاً نفطياً صغيراً، وصحوناً، وهي تقول هذا مطبخي، وهناك مطبخ آخر لشقيقتي.
واستطردت: حين هطلت الامطار قبل فترة قلت مع نفسي هذه هي النهاية سيسقط البيت كله علينا.
الحياة صعبة في بيوت قديمة ورطبة
في منطقة العوينة في جانب الكرخ من بغداد ازقة ضيقة، ومغلقة، بيوت تراثية تعود للخمسينيات من القرن الماضي.
تقول السيدة مها محمد: العوينة من المناطق القديمة، وفيها سراديب للمياه تحت البيوت، سكنت فيها في السبعينيات من القرن الماضي، اذكر جيداً كنا نأخذ الماء من السرداب عند الحاجة، وعرفت من الساكنين ان السراديب على شكل ازقة تحت البيوت، لذا لجأ الساكنون الى بنائها للتخلص من الرطوبة، والرائحة العفنة، وهذا ما حدث في بيتي حيث قمنا ببناء السرداب لكن اشعر بأن ما بنيناه لم ينفع، ففي كل فترة اجد ان البناء يهبط الى الاسفل، فنعاود بناءه لمرة، واخرى، الحياة صعبة في جو رطب مع رائحة عفنة، لكن ماذا نفعل لاحلول غير معاودة البناء بين فترة، وفترة اخرى.
السيدة ام سعد من سكنة العوينة قالت: عائلة زوجي سكنوا البيت في الخمسينيات من القرن الماضي، وتحت البيت سرداب للماء، وللتخلص من الرطوبة قمنا ببناء طابق علوي لكن بصراحة اجد ان الرطوبة تتصاعد في البيت، واحياناً اشاهد الماء يخرج من الحائط لكن لاحلول للماء الا بمغادرة البيت.
دائرة التراث لها رأي
سعد حمزة مدير التحريات في دائرة الاثار والتراث يقول: الدائرة تقوم بمسح شامل على الاماكن، والابنية التراثية، وعلى وفق قانون الاثار والتراث لايمكن تغيير الابنية التراثية، او بناءها من قبل المواطن الا بموافقة من دائرتنا، وبامكان المالك ان يؤهل بيته اذا تعرض للهدم او السقوط بعد الموافقة، والكشف على البيت، اما الدائرة فلا يمكن لها ان تعيد بناء بيت تراثي لمواطن لانه (املاك خاصة)، وهناك بعض البيوت التراثية التي تم شراؤها على وفق موصفات خاصة، وتم ترميمها فعلا.
وهذا ما يغيب الابنية التراثية، والتاريخية بالاخص في منطقة الميدان، والباب المعظم التي تعد منطقة تراثية ساحرة، فلا يمكن للدائرة من ترميم، او اعادة تأهيل بيت تراثي يعيش فيه مواطن، وهذا ما كان لبعض البيوت التي اقتربت من النهاية.