استراتيجيتها باتت متهالكة في المنطقة
صاموئيل هستر
ترجمة:سناء علي
كثيرة تلك الاحاديث التي تهتم باسباب فشل الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط وخصوصا بعد تجربة القضاء على داعش في كل من سوريا والعراق , وفي كل الحالات تظهر اميركا كأنها بلا سياسة ولا رؤية , ربما من لا يريد فهم السياسة الأميركية في سوريا -خاصة- هو الذي يتعلق بمثل هذه الأفكار، حين يظن أن السياسة المفترضة لأميركا تتمثل في التدخل العسكري وحسم الصراع ضد داعش، ولهذا يفاجأ بأنه “لا سياسة” لأميركا في سوريا خصوصا. وهذا إصرار على عدم فهم السياسة الأميركية بعد الأزمة المالية التي حدثت سنة 2008، وما نتج عنها بعد ذلك.
العديد من التساؤلات تطرح امام طاولات التحليل الجذري لتغيير السياسة الاميركية , حيث يتساءل العديد من الناس في اماكن شهدت تحولات جذرية بدفع امريكي من حيث الحكم والسلطة وخاصة في العراق وفلسطين ولبنان، عن الهدف الحقيقي من تبني الولايات المتحدة لأجندة تغيير في خارطتها السياسية الخاصة بالمنطقة العربية.
وفي ظل ازدياد الاوضاع تأزما في المنطقة منذ الغزو الامريكي للعراق فان امريكا اصبحت الان في وضع الدفاع عن الافكار (المثالية) التي غزت بها الشرق الاوسط، خاصة وان اي من تلك الافكار لم يتحقق على الارض بل زاد الطين بلّة. واصبحت المنطقة بأسرها ساحة حرب مع القاعدة والتطرف والقوى التكفيرية. بعيدا عن الحدود الجغرافية لامريكا..ولعل ماتريده واشنطن هذا هو بالضبط.
كل ما جرى من احداث متعاقبة في الشرق الاوسط يؤكد أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط هي تابع متغير يتأثر بتأثير مباشر بتغيير السياسة العامة، فخلال الحرب الباردة مثلاً كانت واشنطن حريصة على بقاء حلفائها العرب إلى جانبها وبسقوط الاتحاد السوفيتي لم تمانع حتى من الإطاحة بهم، وحتى بتغيير طبيعة الأخطار التي كانت تواجهها السياسة الأمريكية خلال العقد الماضي حيث كانت الشيوعية ممثلة بالاتحاد السوفيتي وحلفائه مصدر الخطر الأكبر الذي يواجه أمريكا.
لكن ما الامر الذي أرغم اميركا على تحديد اولوياتها بشكل مختلف , ولماذا قررت أن تهجر الشرق الاوسط وتنسحب على الرغم من اهتمامها الكبير بمنطقة الخليج العربي والعراق خصوصا ؟؟
بعد اصرارها الشديد ولسنوات عديدة على ان تكون أحادية السيطرة , نجد ان اميركا تخلت عن هذا الحلم لأن قدراتها الاقتصادية وما تفرضه تلك الأحادية على صعيد القدرات العسكرية، لم يعد يتيح لها سيطرة عالمية أحادية…
- عن صحيفة الاندبندنت البريطانية
فهي في وضع مأزوم اقتصاديا، ومهدد بانهيارات مستمرة، وبالتالي لم تعد قادرة على تمويل حروب كثيرة في مختلف بقاع العالم.
هذا الأمر أرغمها على تحديد أولوياتها بشكل مختلف عما كان في السابق، وهذا ما فرض عليها أن تعطي منطقة آسيا والمحيط الهادي الأولوية، وفق توقعاتها بتصاعد الخطر الصيني. الأمر الذي فرض انسحابها من “الشرق الأوسط”، مع الحفاظ على سيطرتها على الخليج العربي وضمنه العراق.
” بيع سوريا لروسيا ” كان من ضمن اولويات السياسة الاميركية منذ بداية سنة 2012 في “تعهيد” سوريا لروسيا،. وكان كل نشاطها يتمثل في ضمان هيمنة روسيا على سوريا، ولقد قامت بخطوات عديدة في هذا المجال، سواء بكبح حسم الصراع عسكريا عبر تسليح الكتائب المسلحة، أو بترتيب معارضة تقبل الحـل الروسـي. وبالتالـي كانـت سياستها تهدف إلى أن يستطيـع الروس ترتيب نظام جديد تابع لهم، وكان دورها المساعدة في ذلك، وليـس التنافـس مـع روسيـا علـى السيطـرة عـلى سوريـا.
ولهذا كانت تركز جهدها على التنسيق المستمر مع روسيا، وعلى ترتيب حل متوافق عليه برعاية روسية. ولقد قامت بكل ما اعتقدت أنه مفيد للتوصل إلى ذلك، رغم أن الروس لم يستطيعوا التقاط الفرصة والتقدم لتحقيق حل يبدأ بإبعاد بشار الأسد، وهو ضرورة من أجل نجاح الحل وليس لأنها شرط أميركي مسبق ، ولقد راوغت أميركا في هذا الأمر، وتراجعت أكثر من مرة عن الموقف الداعي لإبعاد الرئيس وحاشيته، وما زالت تراوغ في هذا المجال، حيث وافقت على إخراج البحث في مصير الأسد من المفاوضات.
الفشل الذريع في هزيمة ” داعش ” من قبل الحكومة الاميركية في كل من سوريا والعراق , كان بمحض ارادتها , والدليل على ذلك انها لم تخض معركة حقيقية تكتيكية ضده على الاطلاق , بل خاضت معارك من أجل إضعاف “القوة الإيرانية” في السلطة العراقية؛ ومن ثم فإن استمرار الصراع أكثر من عام لا يعني الفشل الأميركي في هزيمة داعش، بل يعنى عدم القدرة بعد على تغيير وضع السلطة العراقية”
اما عن قدرة اللوبي الصهيوني الاسرائيلي في السيطرة على صنع القرار الاميركي في واشنطن لم يكن سوى فقاعة تبجحت فيها اسرائيل عن قصد , لكن لا يمكن الانكار ان لدى هذا اللوبي، القدرة على إعاقة وإرباك أو تسهيل تنفيذ سلسلة معينة من السياسات لكنه لا يمكنه بحال من الأحوال أن ينجح في تغيير هذه السياسة، وأدت هذه المبالغات إلى خدمة لمصالح معينة، العرب لتغطية عجزهم، تستخدم إسرائيل هذه الأسطورة وسيلة للابتزاز داخل الإدارة الأمريكية وأداة لترويع العرب عبر إظهار قدرتها على التأثير في صناعة القرار الأميركي وأما الإدارات الأميركية تستخدمها وسيلة للاعتذار للعرب عن تحيزها الأعمى لإسرائيل.