لقد توّجت وزارة التربية والتعليم العراقية سيرتها التي لا تحسد عليها، في نوع استعداداتها لإجراء امتحانات طلاب السادس الإعدادي من شتى التخصصات، والتي كشفت لا عن وجود خلل كبير في تنظيمها وحسب، بل الى ما هو أكثر من ذلك بكثير؛ إذ أظهرت المشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، الحالة المزرية للتلاميد وهم يتصببون عرقاً في قاعات لم تجهّز بأبسط وسائل التهوية والتبريد، وفي ظل وقت غير مناسب تماماً لإجراء الامتحانات، بعد أن أجّلت موعدها المعتاد (شهر حزيران) الى شهر تموز إذ تتجاوز درجات الحرارة فيه نصف درجة الغليان؛ وهذا يشير الى نوع وحجم “الرعاية الأبوية” التي تمتلكها هذه الوزارة الأكثر أهمية في حياة المجتمعات والدول، تجاه هذه الشريحة المعوّل عليها في بناء مستقبل هذا الوطن المنكوب. لن نكشف جديدا عندما نتطرق الى ثوابتنا الجليلة في مجال (الفساد) الذي عشعش وتمدد في جميع وزارات ومؤسسات الدولة، ووزارة التربية والتعليم لها قصب السبق في هذا الماراثون، عندما تحولت بعد عقود من الحروب والحصار والاغتراب؛ الى حطام من البشر والمناهج والقيم والحجر.
عن اليوم الأول للامتحانات (الإسلامية) نقل لي ابني المشارك فيها، ما واجهه وزملاؤه من مشاهد مخزية لا تتعلق باستعدادات وزارتي التربية والكهرباء فقط، بل المشاركة المميزة لوزارة الداخلية (قسم حماية المنشآت) في تهيئة الأجواء المناسبة من أمن واطمئنان؛ إذ لم يكتف أحد عناصرها بالاعتداء على الطلبة وحسب، بل أطلق فوق رؤوسهم صليات من بندقيته، كي يزيل كل أثر للخوف من نفوسهم القلقة، ويذكرهم بالشعار العتيد (ارفع رأسك أنت عراقي) ..! قد تبدو مثل هذه الأمور بسيطة وعابرة، لمن أدمن على منهج اللفلفلة والطمطة وتسويف كل ما نواجهه من قضايا وتحديات، لكنها في واقع الأمر تعكس مدى العجز والفشل والهوان الذي نعيشه برفقة هذا النوع من المخلوقات والجماعات التي تمددت على سنام المفاصل الحيوية للمجتمع والدولة وعلى رأسها الوزارة الأهم لمستقبل الشعوب والأمم (التربية والتعليم) والمحببة لحيتان المحاصصة وفرسان حقبة الفتح الديمقراطي المبين.
إن الانتصار على ما تمثله داعش من منظومة مترابطة ومتشعبة من المفاهيم، لا يمكن أن يتحقق في الجبهة العسكرية وحدها، بل سيبقى مفرغاً من محتواه من دون حصول تحولات جذرية في الجبهات الأخرى، وعلى رأسها جبهة التربية والتعليم والتي برهنت التجربة في بلدان عديدة، على دورها الريادي في نهوضها واستقرارها وازدهارها. هذه الجبهة التي تكشف لنا يوما بعد آخر عن الواقع المزري الذي انحدرنا إليه، بفعل هرم الأولويات المعطوب الذي اعتمدته الطبقة السياسية التي تلقفت زمام الأمور قبل “التغيير” وبعده. مثل هذه المظاهر المشينة، التي رصدتها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وأشرنا إليها في عمود اليوم، تحتاج الى وقفة جادة ومسؤولة تجاه هذه الوزارة العاجزة عن تقديم أبسط المستلزمات والحقوق لهذه الشريحة المهمة من المجتمع، وهذا العجز العضال في إجراء تحولات جذرية فيها بعد مرور أكثر من 14 عاماً على زوال النظام المباد؛ تؤكد ضرورة استثنائها من لعنة المحاصصة، لتوضع تحت تصرف فريق عمل متخصص ومهني مشهود له بالكفاءة والنزاهة والوعي العميق بالدور الذي تضطلع به في عالم اليوم، فريق عمل يحظى بالدعم الوطني والأممي للنهوض بمهمته التأسيسية والتي لا تأسيس فعلي في بقية الحقول المادية والقيمية من دونها…
جمال جصاني
في الامتحان يكرم المرء أم يهان؟
التعليقات مغلقة