المشكلات والأزمات؛ مسائل طبيعية تدعو للبحث عن حلول، والإستفادة من تجربتها؛ ومن حلولها ومراجعتها يُرسم مسار القوى السياسية؛ لتوجيه البلاد الى بَرٍّ أمانها، وعند أكتشاف خلل ومعوقات هي دعوة لإعادة الحسابات وإنتهاج إصلاح، ولكن ما يعوق؛ هو ذاك الجمود السياسي، والتصلب الفكري، وتحجر بعض الساسة على كراسيهم.
لعل الكل يتحدث عن الإصلاح؛ ساسة ونخب ومواطن، ولكن كل الأطراف مشتركة في طبيعة المشكلة والحلول.
عندما يتحدثون؛ يطلبون نظاما سياسيا قويما ويمقتون المحاصصة والطائفية والتعنصر، وتوجه الإتهامات للأحزاب، والواقع تشعب وإنقسام أحزاب وشعارات مستنسخة ومتضاربة ، تفقد كثير منها الرؤية والمنطلقات والمتبنيات؛ الى أن إعتقد بعضهم أن إدعاء الإستقلالية؛ أسهل الطرق لكسب رضا المواطن، ومن ثم توالى شعار دولة مدنية، وفي داخلهم إسقاط منافسيهم وما دونهم، وعلى هذه الأطروحات تنقسم مكونات الشعب.
تُطرح عدة أفكار عن شكل الحكومة، ولعل أكثرها رواجاً؛ الأغلبية السياسية أو الوطنية، العابرة للمكونات، وكلها تعني حكومة أغلبية ومعارضة، وتعني إصلاحا للتجارب السابقة بالتوافقات والإتفاقات التي تقتضيها المصلحات والحسابات الضيقة ، ولا يقتصر الحديث عن النخب والطبقة السياسية؛ بل يتعداها الى جمهور متأثر ومنقاد لطبيعة الخطابات، ويطلب من قواه السياسية؛ المشاركة في مواقع وأن كانت لا تهش ولا تنش ولمجرد الشكلية.
تستعمل أغلب الكتل طرقا غير طبيعية، وتعتمد التخندق الطائفي والمحاصصي، وبذاك لا تؤسس لنظام وحكومة على منهج تداول الديموقراطية، وتقسم الوزارات حسب الضرورات الحزبية، ولصاحب المقعد او المقعدين تعويق القرارات؛ بحكومة ضعيفة غير منسجمة؛ فاقدة للتفاعل وتسابق الاغلبية مع الأقلية، وعلى هذا السياق يُقسم النظام الرقابي، أو تُسعمل السلطة الرقابية في النزاعات السياسية، ويبقى التدافع يدور حول المواقع الأكثر مركزية.
إن تشكيل حكومة أغلبية منسجمة لا يُختلف عليه على اهمية الوصول لها، والخروج من مطبات الطائفية والمحاصصة، ولكن كثيرين ممن يتحدثون عن تقويم النظام السياسي؛ لا يقبلون لأنفسهم أن يكونوا في صف المعارضة، وهم من يعرقل الحكومة من داخل صفوفها، وإلاّ لو كان قبول لدور المعارضة؛ لقبل من يعترض أو يختلف أن يكون بها، ويأخذ الأمور بطبيعية ويعده واجبا وعملا متكاملا ، وليس عقوبة أو أقصاء، ولا حكرا على أحد لممارسة دور معارضة او حكومة.
مَنْ يتحدث عن إصلاح نظام سياسي؛ فلابد أن يكون جزء من إصلاحه، ويعد أي دور له سواء معارض او حكومة؛ جزء مكمل للآخر.
كانت حكومة التوافق والشراكة حاجة مرحلة، وحاجة المرحلة المقبلة حكومة الأغلبية؛ بشروط تضمن سقف الدستور وضمان مشاركة المكونات؛ حيث تُقسم كل مكون الى أغلبية ومعارضة، وبذلك تضمن جميع الأطراف المشاركة، ولا يحق له التكشي من التهميش والعقوبة، ويتحقق إستقلال القرار الحكومي عن الحزبية، والسعي حميم لبناء الدولة المدنية، وتكون الحكومة منسجمة العمل وهي تخشى مراقبة المعارضة، وأهم عامل لتحقيق الأغلبية؛ أن تكون وطنية ممثلة لكل المكونات؛ منسجمة بقواها الوطنية، وبذا يتحرك الجمود السياسي، ولا يمكن إعتبار الحكومة إحتكارا للسلطة او تآمرا على الشعب، ومن يُريد العمل او الإصلاح والإعتراض؛ عليه السعي بأدوات دستورية، ولكن السؤال الأهم حكومة الأغلبية الوطنية من يشكلها؟!
*كاتب عراقي
واثق الجابري