حاورها: الموقع الرسمي للجائزة
أين كنتِ وقت الإعلان عن القائمة القصيرة للجائزة؟ وماذا كان رد فعلك؟
كنت في البيت اشتغل على كتابي الجديد؛ النقص. ثم رن الهاتف من أحد الأصدقاء الأعزاء مهنئا بوصول ” التانكي ” للقائمة القصيرة. رد فعلي الأولي حالة من الفرح الهادئ. تعلمت ومنذ فترة جد طويلة من العيش وحدي وعدم تشوش عزلتي، فلم أدع الألم يفيض ولا البهجة تسيل فيما لو حضرا في أحد الأيام. ابتسمت ثم ضحكت بصوت خفيض وشعرت أن جميع ملامح وجهي كانت مسرورة، فالوصول للقائمة القصيرة مرتبط بالتأكيد بالجودة لجميع روايات القائمة، وهذا أمر أسعدني جداً.
لأي نوع من القراء تكتبين أعمالك الأدبية؟
في العموم لا أعرف قسمات من أتوجه لهم ومن الجنسين، ويوم تكتمل بنية وشخصيات الرواية وأبدأ بالتأليف لا أفكر قط بمن سيطالعها، طالب الثانوية أو أستاذ جامعي ، أو مثقف متابع. يستهويني القارئ الذكي غير الكسول ولا المستبد الذي لا يملك أحكاما مسبقة عن هذا الاسم أو تلك. فأنا لم أكتب يوما لاسترضاء أي قارئ، أو غشه أو التواطؤ معه، فإذا كان غير قادر على مواصلة القراءة فليدع الكتاب جانبا ً.
حدثينا عن البحث الذي قمتي به من أجل كتابة “التانكي”.
اشتغلت على بحوث وطالعت وثائق وكتبا قديمة وحديثة، وقابلت الكثير من الأشخاص على الخصوص في إنكلترا والمملكة الأردنية، كما التقيت ببعض الأفراد الذين كانوا طلبة في كلية بغداد وعاصروا الآباء اليسوعيين، كما وثقت الكثير من المقابلات مع بعض الأساتذة العراقيين الذين قاموا بالتدريس بعد خروج الآباء من العراق. كانت الوثائق تتراكم والعناوين تتضاعف والإثارة تصير في الأوج على الخصوص أن ذاكرات الجميع كانت شديدة التوهج وهذا يدع المؤلف يشعر أن المخزونات بدأت ذات فولتية شاهقة للبدء بالتأليف. كان جزء من تاريخ بلدي أراه أمامي وبدا لي ما زال فتيا ومحصنا ضد عوادي الزمن رغم أن المؤلفة صارت في سن الأفول، فكان من الضروري القبض على تلك الساعات والأيام والأعوام التي بقيت تجري أمامي بسرعة عجيبة، فطوراً أتمهل ومرات أسرع، فخضعت للعيش ثانية في تلك المناخات. أسست عائلة الوالد أيوب آل بألسنتهم الخاصة وتأتأة بعض أفرادها، وبقيت إلى هذه اللحظة تسحرني شخصية عفاف أيوب وهي تنفذ نوتات موسيقاها برنات فنية بين الرسم والغناء والصمت. نعم استغرقت التانكي وقتا طويلا حيث تعرضت لأزمة صحية قاسية، ففي بعض الفصول كنت أدونها وأنا شديدة الإجهاد، فتصورت أن ازدحام الأمراض والمرضى في الرواية قاما بعدوى للمؤلفة.
هل فاجأتك أي من القراءات النقدية لرواية “التانكي”؟ وكيف تحبين لروايتك أن تقرأ؟
في الشهور الأولى وبعد صدورها كان هناك نوعا من التجاهل للرواية، بعض الأصحاب كان يمزح قائلا؛ السبب هو؛ العنوان الحديدي!! كنا نقهقه ثم لا نعير الأمر أهمية. بغتة، اهتز الميزان وصعدت “التانكي” إلى القائمة الطويلة، هنا انقلب زمني الشخصي الهادئ إلى جلبة لطيفة لم أتعودها. القراءات النقدية والصحافية التي طالعتها كانت مفاجأة حقيقية لي وسعدت بها فبعض الأسماء ومن الكاتبات الفلسطينيات أدهشتني بالفعل. بعد أيام ستصدر دراسة نقدية شديدة العمق والأهمية لباحث وناقد عراقي بعشر صفحات، قام بتفلية الرواية بطريقة آسرة بالفعل. كل ما كتب أضاء جانباً من “التانكي” كما هي وجوه القمر ما بين البدر والهلال ثم الدخول في العتمة بعد الاكتمال في الختام.
لو قسمنا الروايات العربية إلى عائلات، لأي عائلة تنتمي “التانكي”؟
جميل هذا السؤال، لم يسألني أحد بهذه الصيغة العائلية للرواية، ولم أفكر به من قبل، وإن كان لابد من الإجابة، فأنا أفضل أن تكون “التانكي” ضمن العائلة المتمردة التي تبتكر المشكلة، المشاكل، وبالتالي القادرة على صياغة الأسئلة الحارقة حتى لو قيلت بشيء من اللعثمة فهي أفضل من الفرار من أمامها.
أغلبية أعمالك تتمحور حول العراق. ما هو أكبر تحدي تواجهينه في الكتابة عن وطنك وأنتِ تعيشين خارجه منذ أربعة عقود؟
أعرف نوعاً واحداً من التحدي فيما لو كنت في بلدي أو خارجه؛ هو عملية التأليف ذاتها وضرورة إتقانها. أعني إنني لا أكتب إلا الذي أحب كتابته. إنني يوميا أقوم بوضع بلدي أمامي والعمل على استخراج الفضائل والمسرات والفظائع والمظالم منه في كل رواية، وقضاء الوقت اللازم لترتيب طبوغرافية الموتى والحيرانين، والكشف عن اللصوص والقتلة. بلدي نفيس وثري ولا تكفيه جميع روايات العراقيات والعراقيين، فكل روائي يقوم بتعمريه ثانيه عبر فعل الكتابة، وفضح طبقاته، أو تسليط الضوء على حقبه الدموية بالتفاصيل والوثائق التي يراها المؤلف ضرورية. أنا لم أغادره، وبالتالي هو لم يغادرني.
من هم الكتاب الذين أثروا فيك كروائية؟
كل كتاب طالعته عاش لليوم معي بدءا من الفلسفة ولعي المقيم، مروراً بالعلوم وليس انتهاء بالسرديات الكبرى، كل كتاب غريزيا ووجودياً أنتمي إليه ويخترقني في حياتي الإنسانية والأدبية، وربما يظهر في تعدد الأجناس وطرق التجريب التي اشتغلت عليها في جميع مؤلفاتي، أولئك الكتاب هم تعاليمي الخفية وساعات نزقي المقيم وطعم جنوني المقدر لي ولشخصيات أعمالي الوصول إليه.
ما هي الكتب التي تقرئيها الآن؟ وهل تأثرت قراءتك بطول البقاء في المنزل المصاحب لأزمة كورونا؟
عدت وجلبت جميع مؤلفات البير كامي ثانية وعاشرة إليَ. شغوفة بلغته ليست المحايدة فلا تعطيني معلومات لكنها دلالات لبعض الحقائق. أظن أن هذا الوباء كانت البشرية بانتظاره بمعنى خفي ليعاد تعليمنا وتمريننا ثانية . سيتغير كل شيء من حولنا بدءا من الحب والصداقة والأنظمة والدول والمقدسات. أنت إذا لم تخسر فلن تربح فجميع الكوارث الكونية التي دونها لنا التاريخ ستحيل ما سيحصل في كوكبنا والإنسانية من تغيرات راديكالية تفوق قدرتنا على تحمل وزرها إليه. أطلقت على هذا الفيروس اسم المعلم الدموي القاسي العنيف، لكنه الضروري، وهذه من فضائل بعض الأوبئة على البشرية التي لا ندري إلى أين سنصل بعدها!!!