ولاء الصَّواف
:
تَذكّرْ .. وأنتَ تُطلقُ ساقيكَ للرِّيحِ أنكَ شَجرة
وعشُّ اليمامِ قائمٌ على رأسِكَ وعلى رأسِكَ تَنامُ الغَيمة
تَذكّرْ .. خلفَ المتاريسِ مَنْ قايضَ الحلمَ بالرصاصِ ، الخُبزَ بالكَلماتِ
الزهرَ بالشَجنِ ووجهَ الحبيبةِ بالرِّيحِ
تَذكّرْ .. الأرضُ كلُّ الأرضِ حَبة ندى في خَريفٍ أسمرَ تَنامُ على شَفَةِ أُنثى
تَذكّرْ ..لا الغيمُ يلقّنُ العابرينَ مَعنى السَّبيلِ
ولا البابُ يَفهمُ طَرقاتِ السّائلِ عن قوتٍ للعيالِ
تَذكّرْ .. ظلُّكَ الوارف لا يخشى اللّيلَ ، صَمتُكَ المجنونُ يَمرحُ في البرّيةِ وقوسُ اللهِ يَنمو على شَفَتيكَ مثلَ لبلابٍ حزين .. لوّحْ بيديكَ .. السماءُ غَجريةٌ .. ناعِمةٌ كريشِ النَّعام
كمْ مرةً عليكَ أن تَلمسَ وَجهَ الغيبِ
وكمْ مرةً عليَّ ألا أدَعَكَ تَغيبُ
وأُعلّقُ على جسدي ما تراكَمَ من خَطاياكَ ..
تَذكّرْ .. صندوقَكَ الخَشَبيُّ المرصَّع بالندوبِ حيثُ تخبئُ نثارَ الضوءِ المُتساقِطِ مِنْ رفيفِ أجنحةِ الجنْيّاتِ ، وحيثُ تَنامُ أسنانُكَ اللَّبنيةُ التي قَذفْتَها ذاتَ صيفٍ بوجهِ الشَّمسِ طمعاً بسنِّ الغَزالِ ..
وأنتَ تقودُ دراجتَكَ الهَوائيَّةَ
على ظهرِ موجةٍ زرقاءَ في بَحْرٍ من قُرنْفلٍ وآسٍ
تَذكَّرْ أنَكَ حَبَةُ لؤلؤٍ في عَينِ أمّكَ الثكلى
دعْ فَمكَ بكلماتِهِ الغاربةِ يَلوكُ الظُّلمةَ ويلفظُها بقايا ظِلالٍ مُتَراشقةٍ .. لا تنكأُ جرحَ الجُّوعِ فيكَ .. دَعْهُ يَنامُ على صدرِكَ المُثقَلِ بنياشينِ العَوزِ .. العشبُ يقرأُ تفاصيلَ أقدامِكَ وأنتَ تَعْدو .. وأنتَ تَعْدو على الصِّراطِ المشْدودِ بينَ العشبِ وقَدميكَ تَذكّرْ ما عَلِقَ من غُبارِ الحُروبِ فيها وما عَلِقَ على جبهتكَ مِنْ أثَرِ الصَّهيلِ .. ومِنْ سَماءِ حجرتِكَ المليئَةِ بالثقُوبِ ، المبتلّةِ بالوَجَعِ ، يسيلُ صَداكَ ، يَرقدُ بجوارِ أحلامِكَ البَرْبريّةِ وقميصُكَ المعفّرُ بالكافُورِ .. الكونُ أصغرُ من قِنِّ الدَجاجِ .. فغيابُكَ أكبرُ .. هِجرةُ طائرِ السَّمانِ الأخيرَةِ لا تَشْبَهُ موتَكَ أمسِ ولا موتَكَ الآنَ .. قُلْ لِمن اغتالَ الحلمَ فيكَ ، ما قالَهُ طائرُ السَّمان لي .. ليّ الماءُ ولَكَ اللَّهب
دَعْ فراشاتِ البيتِ القَديمِ تَلهو على أنفِكَ كَما في كلِّ مَرةٍ
اجدلْ ضَفيرةَ حِلمكَ بماءِ الوردِ ..
مَعاً نلتقطُ الحَبَّ من أرصِفَةِ المدينةِ المغبرّةِ
هذا رَغيفي نصفُهُ لكَ والآخرُ للعَصافيرِ
تَذكّرْ .. حَبْلكَ السريّ معقوداً بينَ نخلتينِ .. تَتدلّى مِنهُ نَجْمتانِ وقمرٌ وخريفٌ وسيرَةُ حَرب جَفَّ حَليبُها .. خُذْ ظلكَ مَعكَ .. فالظلالُ تنامُ باكراً وتَستفيقُ حينَ يَندلقُ النبيذُ أولَ الفَجْرِ .. ظِلُّكَ وحدهُ لا غيرَ مرًَّ مِنْ هُنا .. أُخرجْ عن النَّصِ بقوّةِ الإيمانِ واصفرارِ السُنْبُلةِ ..
كُنْ كَما أنتَ .. تَحْملُ على أطرافِ أصابِعكَ وَجَعَ البِلادِ
كُنْ دافئاً كالبِلادِ الحَبيسَةِ في المعْنى
والآنَ أطْلقْ ساقَيكَ للرِّيحِ