واشنطن اعتبرته خطوة مهمة..
الصباح الجديد ـ وكالات
أصدرت السلطات السعودية أحكاما أولية بالإعدام على خمسة أشخاص في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي، رغم انّها اعتبرت أنّ الجريمة المروعة، التي تخلّلها تقطيع جسد الضحية، لم تتم بنية مسبقة، بل كانت وليدة اللحظة.
وبعد أكثر من عام على مقتل الصحافي في قنصلية بلاده في اسطنبول، في جريمة أثارت ردود فعل دولية مندّدة، فاجأت السلطات المراقبين باعلان تبرئة اثنين من كبار مساعدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
ويثير إطلاق سراح نائب رئيس الاستخبارات السابق أحمد العسيري، وعدم توجيه اتهام للمستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني، الأسئلة مجدّدا حول من أمر بتنفيذ العملية التي قالت السلطات في الماضي إنّ هدفها كان إعادة خاشقجي للسعودية.
وفي حين انتقدت تركيا ومنظمات حقوقية بشدة قرارات محكمة الرياض، اعتبرتها واشنطن «خطوة مهمّة».
وخاشقجي، الذي كان ينشر في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية مقالات تنتقد سياسات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قتل في القنصلية في الثاني من تشرين الأول/اكتوبر 2018، بعد نحو سنة من مغادرته المملكة في خضمّ حملة اعتقالات طاولت كتابا ورجل دين.
وسعت المملكة منذ وقوع الجريمة على أيدي 15 عنصرا أتوا من المملكة، إلى محاولة إعادة بناء صورتها، بينما تمر بمرحلة من التغييرات الاجتماعية وتفتح أبوابها للسياح الأجانب سعيا وراء استثمارات تساعد على تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط.
وجاء في بيان للنيابة العامة الاثنين أنّ التحقيقات شملت 31 شخصاً، حيث تم توقيف 21 شخصاً منهم، وتم استجواب 10 أشخاص منهم. وخلصت التحقيقات إلى توجيه الاتهام في القضية إلى 11 شخصاً.
«كان القتل لحظيا»
وصدر عن المحكمة الجزائية في الرياض في الجلسة العاشرة من المحاكمة التي حضرها أبناء خاشقجي وممثلون للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، أحكام بـ»قتل خمسة من المدعى عليهم قصاصاً وهم المباشرون والمشتركون في قتل المجني عليه».
كما أمرت بسجن «ثلاثة من المدعى عليهم لتسترهم على هذه الجريمة ومخالفة الأنظمة، بأحكام سجن متفاوتة تبلغ في مجملها 24 عاما»، فيما تقرّر «حفظ الدعوى بحق عشرة أشخاص والإفراج عنهم لعدم كفاية الأدلة».
وأوضح مساعد النائب العام شلعان بن شلعان في المؤتمر الصحافي بالرياض أنّ نائب رئيس الاستخبارات السابق أحمد العسيري، أحد أبرز المسؤولين الذين تمّت محاكمتهم في القضية والذي غالبا ما كان يرافق ولي العهد في رحلاته الخارجية، أفرج عنه «لعدم ثبوت إدانته في القضية بشقيها العام والخاص».
كما أنّ النيابة العامة لم توجّه الاتهام إلى المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني، وهو من المقرّبين من ولي العهد وأحد أكثر المسؤولين إثارة للجدل في السنوات الأخيرة في المملكة، وذلك «لعدم وجود أي دليل ضده».
ورجّحت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أن يكون الأمير محمد، الذي يتمتع بنفوذ واسع في دوائر صنع القرار في الحكومة السعودية، أمر بتنفيذ عملية القتل، وهو ما نفته السلطات. كما حمّلته مقرّرة الأمم المتحدة نييس كالامار التي حقّقت في القضية، مسؤولية الجريمة.
ورأى اتش ايه هالير الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة أنّه «إذا كان الهدف من الحكم الصادر إنهاء قضية خاشقجي، فإن هذا الأمر لن يحدث على الأرجح»، مضيفا «هناك شعور عارم في المجتمع الدولي بأنّ المؤسسة السعودية الحاكمة تقف خلف قتل خاشقجي».
لكن مساعد النائب العام شدّد على أنّ «تحقيقات النيابة العامة أظهرت أنه لا توجد أي نية مسبقة للقتل عند بداية هذه المهمة وكان القتل لحظياً».
وأشار إلى أنّه تمت أيضا تبرئة القنصل محمد العتيبي علما بانه ثبت من «شهادة الشهود من الجنسية التركية أن القنصل السعودي كان معهم يوم وقوع الجريمة حيث كان يتمتع بإجازة رسمية».
«العدالة لم تحترم»
لم تعلن السلطات أسماء الذين صدرت بحقهم أحكام الاعدام والسجن. والمعروف أنّ ماهر المطرب، المسؤول السابق في جهاز الاستخبارات والذي كان يرافق ولي العهد في رحلاته الخارجية، هو واحد من المتهمين الـ11. وقد ورد اسمه على لائحتي عقوبات أميركيتين عرّفتا عنه بأنّه يعمل تحت إمرة القحطاني. وبين المتهمين الذين جرت محاكمتهم أيضا خبير الأدلة الجنائية صلاح الطبيقي، والعضو في الحرس الملكي فهد البلوي.
وقال دبلوماسيون حضروا جلسات إنّ المتهمين قالوا خلال الجلسات إن العسيري، الذي أعفي من منصبه بعد أيام من وقوع الجريمة، هو الذي أصدر الأوامر.
وورد اسم العسيري واسم القحطاني في لائحتي العقوبات اللتين أصدرتهما واشنطن بحق مشتبه بتورطهم في قضية الصحافي.
ووفقا لبيان سابق من مكتب المدعي العام السعودي، فإن القحطاني المعروف بأسلوبه الهجومي على وسائل التواصل الاجتماعي، التقى المجموعة قبل سفرها إلى تركيا بهدف مشاركتها بمعلومات متّصلة بالمهمة. ورغم ذلك، لم توجّه له أي تهمة. ويقول سعوديون إن المستشار السابق لا يزال يتمتع بالقدرة على التأثير بعيدا من الأضواء، بينما يشير آخرون إلى أنه فضّل الابتعاد إلى حين تراجع وتيرة ردود الفعل الغاضبة في العواصم الكبرى. وفي إطار ردود الفعل، اعتبر الامين العام لمنظمة «مراسلون بلا حدود» كريستوف دولوار الاثنين ان «العدالة لم تحترم» في قضية خاشقجي، بينما قالت منظمة العفو الدولية ان الحكم عبارة عن «تبرئة لا تحقق العدالة ولا تظهر الحقيقة».
من جهتها، كتبت انييس كالامار المحامية التي شاركت في التحقيق المستقل لمقررة الامم المتحدة في قتل الصحافي، على حسابها على تويتر «وفقا لمصادري، قال النائب العام إنّ قتل خاشقجي كان بنية مسبقة، لكن ولي العهد قال انها حادثة،. فاحذروا إلى من استند القاضي».
وقالت الخارجية التركية في بيان ان الاحكام التي قضت باعدام خمسة اشخاص وبرأت اثنين من المشتبه بهم الرئيسيين «لا تلبي رغبة بلادنا والمجتمع الدولي في الاضاءة على كل جوانب هذه الجريمة واحقاق العدالة».
وأضافت الوزارة ان «مصير جثة خاشقجي وتحديد هوية المحرضين على القتل والمتعاونين المحليين المحتملين، كلها أسئلة لا تزال بدون اجوبة، وهذا يشكل فجوة أساسية في مسار العدالة».
لكن مسؤولاً أميركيا قال للصحافيين في واشنطن إن «أحكام اليوم خطوة مهمة لكي يدفع كل مسؤول عن هذه الجريمة الرهيبة» ثمن ما اقترفه. وطالب المسؤول الأميركي الرياض بـ»مزيد من الشفافية»، مضيفا «سنواصل الضغط عليهم من أجل مزيد من الشفافية ولمحاسبة كل المسؤولين».
وأشاد نجل خاشقجي بالحكم وكتب على تويتر «تم احقاق العدالة لأطفال» الصحافي.
وقد زعمت صحيفة واشنطن بوست أن ولاد خاشقجي حصلوا على تعويضات مالية من الحكومة السعودية، الامر الذي نفته عائلة الصحافي.