متابعة الصباح الجديد:
صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط – إيطاليا، الرواية الجديدة للكاتب السّوري زياد عبدالله، تحت عنوان: «سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري، ومآثر أسياده العظام» – والتي تحمل أيضاً تاريخ 1984 لكن للهجرة هذه المرَّة!
وفي هذه الرِّواية، التي لم يُكتب كمثلِها كِتاب، في عصرٍ جُمعت فيه الأضداد، وعمَّ فيه الظُّلم والاستبداد، يبني الروائي زياد عبدالله صرحاً سرديّاً بديعَ التأليف، عن سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري، ومآثر أسياده العظام – (1984 هـ)، وهو تاريخُ أحداثٍ جِسام، حدَثت في ماضٍ يستدعي حاضرُهُ مستقبلَ الأيام، كأنَّنا بصددِ أسطورةٍ، وما هي بأسطورة، لكنَّها دون شكٍّ روايةٌ تشرع أبواب الواقعِ على مِصراعيها، في مواجهةِ لحظتنا التاريخية الفارقة، بكلِّ ما فيها من مآسٍ وحروبٍ وخرابٍ إنساني يتهاوى ليأتي على الأرض وساكنيها، ويتعالى فيُدمِّرُ سماءً لا خلاص فيها، وبينَ الاثنتيْن، نقفُ على مخلفة التقوى والإيمان، بشرائعها وكتابها المُقدَّس، وحروبها وانتصاراتها وهزائمها.
ونحن بصددِ كتابةِ هذا التَّقديم، لا بدَّ وأن نقفَ على شيءٍ ممّا جاء في مُستهلِّ الرواية، حيثُ خطَّ كاتبٌ اسمه زياد يُتبعُ بـ عبدالله، ما يلي:
«… إنها حكايةٌ ملؤها السير، منهم من سبق بطل الأبطال بحيرة الانكشاري، ومنهم من لحق، فشهدوا الوقائع والأخبار، واستخلصوا عظائم القصص والأحداث. منهم من ظهر وأظهر، ومنهم من غاب وغيّب، والشيخ الجليل ملمّع القدور وقارع الطناجر يبشِّر بالنبأ العظيم، يقرع الطناجر مستقدماً الآتي، وهو يرى أوبة سيد الأسياد بحر بن إياب، والذي لولاه لما كان كلُّ ما كان، وما اقتطع من بحره بحيرة الانكشاري ولا جاء مؤتمن الغياب ولا رفرفت رايات مخلفة التقوى والإيمان.
واعلموا يا أيها القرّاء واسمعوا يا أيها السمّاع إنها حكايةٌ ليست كما الحكايات، مما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، سردها سفينة، وبيانها شراع، تطفو على أحداثٍ جسام، تمخر عباب حروبٍ وهزائم وانتصارات. واعلموا أننا سنقصص عليكم أوثق القصص كما شهدناها بأم العين أو مما تناقله الرواة وأصحاب الأخبار، الحفظةُ والرواة، الأتقياء والأنقياء، القادة الشجعان والجبناء، والأتباع، والأعداء، والأعزة، والصاغرون، والمظلومون، والثائرون، والصاعدون، والمتردون، والمتوارون، والمنتصرون، والمنهزمون، لا راوي لهم جميعاً إلانا، نحن من اجتمعت حكايانا هنا بين دفتي هذا الكتاب، ووضعنا ما أوتينا من كلِّ هذا وذاك بين يدي كاتب اسمه زياد يُتبع بـ عبدالله، دوّن ما أسمعناه إياه، وأوصيناه برفيع الصياغات، وعظيم السرد والكتابات، فغاب عنا سبع سنوات وعاد إلينا بما هو بين أيديكم الآن.
القارئُ لهذه الرِّواية، المتفرِّدةِ سرداً، المختلفةِ أسلوباً، الشاسعةِ خيالاً، يمضي في رحابِ دروب وضروب الإبداع، سيَقعُ، على مدار 256 صفحة، في سحرِ لغةٍ، تفوحُ منها رائحةُ مخطوطاتِ ألفِ ليلةٍ وليلة، كأنَّنا بصددِ تَصفُّحِ كتابِ الأغاني للأصفهاني في أعتقِ نسخةٍ؛ خَطَّها النُّسَّاخ، لكنْ، نحن كذلكَ بصددِ كتابةٍ سابقة ولاحقة في آن، تتحرَّى واقعاً مريراً، وتتنبأ بمستقبلٍ مجهولِ المآل، ليُخبِرنا زياد عبدالله أنَّ راهن الحال، لا شكَّ يحتاجُ إلى كتابةٍ يصلُ فيها مستوى السخرية حدَّ الألم، حدَّ الاعترافِ بأنَّ العصرَ الذي نعيشهُ لا تُقارِبهُ كتابةٌ إلَّا وفيها الكثيرُ من السُّخريةِ السوداء.