لاشك انّ الكثير من الناس وفي شتّى بقاع الأرض يشاهدون فيلماً سينمائياً ربما يومياً أو أسبوعياً في أقل تقدير، خصوصاً بعد الانتشار الواسع للفضائيات العربية والعالمية التي تعرض عشرات الأفلام يومياً، من هنا تأتي ضرورة النقد السينمائي الذي لايقل أهمية عن النقد الأدبي وغيره، عبر محاولته توطيد العلاقة بين المتلقي والفيلم، فأهمية النقد السينمائي تأتي برأيي من محاولته التعرف على ما يتضمنه العرض من ملامح تميزه عن بقية الأفلام من حيث الفكرة والتصوير، وذلك من خلال تعامل صانع الفيلم مع عناصر اللغة السينمائية وتوظيفها لصالح العمل، وهناك العديد من الاتجاهات النقدية السينمائية، فهناك النقد الشكلي الذي يتحدث عن الإطار العام للفيلم وشكله من خلال تطرقه الى كلفة الانتاج وسنته واسم مخرجه وأهم أفلامه وميزانية الفيلم والجهة المنتجة له وكذلك الحديث عن ممثلي الفيلم والجوائز التي حصلوا عليها، وهو ما يسمى بالنقد البسيط، وهناك النقد الوصفي الذي يصف أو يستعرض قصة الفيلم وما تتضمنه من أحداث، وهناك النقد التحليلي الذي يتناول الأجناس الفلمية الروائية والوثائقية، ولكن النقد الأهم هو النقد التأويلي الذي يتناول ما وراء النص الفيلمي محاولاً الوصول إلى الدلالات والاشارات والرموز التي يرسلها الفيلم بقصدية أحياناً ومن دون قصدية في أحيان آخر. ففي فيلم «آفاتار» للمخرج جيمس كاميرون وهو فيلم قدم ومن دون شك دهشة بصرية هائلة ربما كانت الأكبر لحد الآن، ولكن لو تناولنا الفيلم بعيداً عن الدهشة البصرية فسنجده يرسل العديد من الاشارات التي تؤكد على تفوق جندي المارينز ولو بعد مئات السنين وبقاء العالم محتاجاً إلى المنقذ الأميركي، حتى بالنسبة لشعوب ربما تتواجد في كواكب أخرى، كذلك في فيلم «القارئ» تطرح العديد من الإشارات أولية لتحليل وفهم الفيلم من خلال عبارة يكتبها أستاذ مادة الفلسفة في بداية العرض تقول إن السرية فكرة راسخة في الأدب الغربي وعلى هذه الجملة تبنى كل أحداث الفيلم .
كذلك فأن الأهمية والدافع الى النقد السينمائي متأتٍ من تلك المكانة المرموقة التي وصلت إليها السينما وأثرها الواضح على المتلقي في شتى المجتمعات، فبعد التطور التكنولوجي الهائل خصوصاً في مجال المرئيات بات باستطاعة أي فرد في شتى أنحاء العالم مشاهدة العديد من الأفلام في منزله، كذلك باستطاعته تحديد نوع الفيلم الذي يرغب، تأريخي، أكشن، رومانسي، أو وثائقي، وهذا الأخير أصبحت له فضائيات متخصصة مثل، ناشيونال جوكرافيك، والجزيرة وثائقي، والبي بي سي، وغيرها، ويأتي دور الناقد ليوطد العلاقة بين المشاهد والفيلم من خلال تطرقه إلى أهمية وجدوى الفيلم، وربما يكون السبب في قلة المشتغلين في هذا الحقل في العراق مقارنة بالنقد الأدبي هو التدهور الكبير في واقع السينما العراقية سواء على مستوى الإنتاج أو البنى التحتية خصوصاً دور العرض واختفائها بشكل شبه تام، فلا وجود لأي دار عرض في جميع المحافظات العراقية بعد تنامي وشيوع ذهنية التحريم، لذلك يعتمد الناقد السينمائي العراقي على مشاهداته المستمرة للأفلام العربية العالمية، وهناك العديد من الأسماء المعروفة التي تشتغل في هذا الحقل ولا تكاد صحيفة مهمة تخلو من صفحة أسبوعية عن السينما تتضمن دراسة نقدية لأحد الأفلام، ومهمة النقد السينمائي ليست بالمهمة بالسهلة حيث يفترض على الناقد أن يتوفر على معرفة جيدة ببقية الفنون، فالسينما وكما يطلق عليها «الفن السابع» بمعنى احتوائها وتوظيفها لبقية الفنون ضمن بنية النص المرئي وهذا التوظيف لا يأتي اعتباطاً بل عن قصدية يفسرها الناقد .
كذلك فان من المهم أن يصل الناقد إلى معرفة سؤال السينما المهم وهو «ماذا يحدث لو؟» والذي من خلاله يمكن للناقد أن يحلل الفيلم بصورة جيدة، حيث تبنى على هذا السؤال الثيمة الأساسية لكل فيلم، ففي فيلم «الصخرة» مثلاً كان السؤال هو ماذا يحدث لو أن جاسوساً بريطانياً محكوماً بالسجن المؤبد هو الوحيد الذي باستطاعته أن يجنب أميركا هجمة بصواريخ نووية؟، وربما يختلف تحديد هذا السؤال من ناقد لناقد آخر، لذلك يأتي التحليل والنقد مختلفاً بينهما استناداً إلى هذا السؤال، حيث لا وجود لقاعدة ذهبية في السينما، فالقاعدة الذهبية للسينما « أن لاقاعدة «، وإلا لجاءت الأفلام السينمائية على وتيرة واحدة ولم تستطع السينما الوصول الى المكانة المرموقة التي وصلت إليها.
كاظم مرشد السلوم