بغداد – سمير خليل:
يواصل المخرج الباحث الدؤوب “مقداد مسلم” الغوص في أعماق الموروث الشعبي البغدادي واختيار الدرر من هذا الموروث وصياغته بذكاء دراميا ومسرحيا. تفرد مقداد مسلم في هذا الجانب وحاك بساطا ملونا من جمال الموروث وحلق به على خشبة المسرح، علاقة وطيدة تولدت منذ العام 1984 بين مقداد والحكم والأمثال البغدادية حين قدم مسرحيته الاولى “الخيط والعصفور” التي أعادت الحياة للمسرح الشعبي وظلت عالقة في الاذهان، تبعها وعلى نفس النهج بمسرحية “حال الدنيا ” بعد سنتين ، ليكمل هذه السلسلة الملونة بمسرحية “أحوال وأمثال” التي يقدمها على خشبة مسرح المنصور اليوم مع كوكبة لامعة من الممثلين من الرواد والشباب الذين شكلوا خلية إبداع قدمت كرنفالا جميلا من الموروث الشعبي البغدادي.
14 ممثلا وممثلة تحركوا بخفة ورشاقة وبإيقاع جميل على مدى دقائق العرض وأثروا خشبة المسرح إبداعا وجمالا، وكوميديا نظيفة مع صوت المربعات البغدادية التي صاغ أشعارها الشاعر رحيم العراقي، وتردد غنائها بصوت حسين القيسي وفرقته، بالإضافة لصوت رفاه العاشق الشجي. قدم مسلم مواهب شابة واعدة، نور محمد وسوزان زنكنه وإسراء ياسين وعلي البصام ويوسف عبد الرحيم، والأداء الكبير لعدي الكرخي، مثلما أتاح لنا متابعة تألق الرواد عبد الجبار سلمان وحياة حيدر وحسين علي هارف ومحمد مجيد وعبير فريد وخفيف الظل أياد الهندي ” كومار” ، كل هذا الكرنفال تلون وتأطر بأزياء واكسسوارات الفنانة صبيحة السامرائي والديكور الجميل للفنان حسين كريم نعمة والموسيقى والمؤثرات لحسين زنكنه والاضاءة التي صممها غيث زهير.
مؤلف ومخرج العرض قال:
تأتي مسرحيتنا الشعبية هذه” أحوال وأمثال” كجزء ثالث للمسرحيتين الشعبيتين ” الخيط والعصفور” 1984 و” حال الدنيا” 1986، وقد لاقت هاتان المسرحيتان نجاحا كبيرا لتناولهما أمثالنا الشعبية حوارا وموضوعا لهما ولتوفر عناصر إنتاجية وإبداعية طيبة. وقد سارت مسرحية “أحوال وأمثال ” على نفس النهج الشعبي الكوميدي الهادف الذي سارت عليه كتابة المسرحيتين السابقتين باعتبار أن الممثل هو عبارة تجربة إنسانية صادقة. ولكن ما يميز” أحوال وأمثال” هو الشكل الممزوج بالتراث والموروث عبر شخصيات أعطيناها كنايات وليس أسماءً، ولكن كناية دلالتها، لتحكي لنا قصصا وحكايات معاصرة، ومن موروثنا الشعبي الخالد ليترجم حالتها عبر حكاية المثل، فتقدم لنا المتعة والمعرفة اللتين تعدان من أهم أهداف العرض المسرحي. وعلى حد قول الفيلسوف والمفكر أرنست فيشر: إن المتفرج يجد متعة كبرى عندما يرى القصص التي سمعها سابقا بشوق تمثل أمامه على المسرح. ومن أجل مسرح جماهيري ممتع وهادف، ومن أجل عودة العائلة العراقية الكريمة الى المسرح جاءت هذه المسرحية”.
الفنان الرائد عبد الجبار سلمان تحدث عن شخصيته في المسرحية فقال:
هذه المسرحية تفتح لي الباب للعودة الى المسرح ثانية بعد انقطاعي، بسبب ترهل المسرح بالغجر، وأجسّد في المسرحية اليوم دور “عصفور” وهو حفيد عصفور في مسرحية “الخيط والعصفور” والتي جسّدها الفنان الراحل خليل الرفاعي. مسرحيتنا تتحدث عن أحوال وأمثال بغداد وفيها حكم وأمور أخرى، نحن عائلة عصفور عائلة مسالمة، والعائلة الثانية تريد الشر لبغداد وتريد تهديمها وتحطيمها بأي طريقة. هناك رمزية في العمل، وهناك فتنة نريد وأدها ولكن هناك من يريد إيقاظ هذه الفتنة، وإذا أوقظت هذه الفتنة فهي أشد من القتل، لكن الفتنة تحدث في بغداد وهناك من يقتل أو يهاجر، ولا يبقى الا الصامدون الذين يحافظون على مدينتهم وعلاقاتهم الاجتماعية”.
الفنانة عبير فريد قالت: أيضا تشكل مشاركتي في هذه المسرحية عودة بعد انقطاع منذ العام 2019، عدت بشخصية كوميدية جميلة، وإن كنت ممثلة غير كوميدية لكنني أمتلك حسا كوميديا، كوميديا الموقف، والحمد لله هناك اصداء جميلة من الجمهور. ما حفزني لهذا العمل أنه مختلف، ويجذب العوائل العراقية لأنه عمل عائلي مائة بالمائة “.
الفنانة حياة حيدر ذكرت أنها غير منقطعة عن المسرح، ولكنها انقطعت فترة لانشغالها بدراسة الماجستير والدكتوراه، وقبلت العمل لأن المسرحية من إنتاج دائرة السينما والمسرح، ولأنها للمرة الاولى التي تعمل فيها مع المخرج مقداد مسلم بعد أن عملت مع مخرجين كثيرين.