الصباح الجديد ــ متابعة
ندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس امس الأحد بـ”استخدام القوة المميتة” في بورما، في أعقاب إطلاق الشرطة النار على متظاهرين في مدينة ماندالاي وسط البلاد، ما أدى لمقتل اثنين منهم وجرح نحو ثلاثين آخرين.
وكتب غوتيريس على تويتر “أنا أدين استخدام العنف المميت في بورما”، مشددا على أن “استخدام القوة المميتة والترهيب والمضايقة ضد متظاهرين سلميين أمر غير مقبول”. وأضاف أن “لكل فرد الحق في التجمع السلمي. أدعو جميع الأطراف إلى احترام نتائج الانتخابات والعودة إلى حكومة مدنية”.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس امس الاول السبت إن الولايات المتحدة “قلقة للغاية” من تقارير تحدثت عن إطلاق قوات الأمن في ميانمار النار على المتظاهرين واستمرار الاعتقالات والتضييق على المتظاهرين. وأضاف برايس على تويتر “نقف مع شعب بورما”.
وقالت بريطانيا إنها ستدرس اتخاذ إجراءات أخرى ضد المتورطين في أعمال عنف ضد المحتجين، ووصفت وزارة الخارجية الفرنسية العنف بأنه “غير مقبول”.
وقال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب على تويتر “إطلاق النار على المتظاهرين السلميين في بورما يتجاوز الحدود”. وأضاف “سننظر في اتخاذ مزيد من الإجراءات مع شركائنا الدوليين، ضد أولئك الذين يسحقون الديمقراطية ويخنقون المعارضة”.
وأعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا ونيوزيلندا فرض عقوبات محدودة منذ الانقلاب مع التركيز على القادة العسكريين.
احتجاجات واسعة
ويشدد العسكريون منذ الانقلاب الضغط على الحركة المطالبة بالديمقراطية. وعلى الرغم من ذلك نزل آلاف المحتجين بينهم ممثلون عن أقليات إثنية بالزي التقليدي، من جديد امس الاول السبت إلى شوارع رانغون عاصمة البلاد الاقتصادية، مطالبين بإعادة الحكومة المدنية والإفراج عن المعتقلين وإبطال الدستور الذي يعتبر محابيا جدا للعسكريين.
قرب معبد شويداغون الشهير في وسط المدينة، وُضع إكليل من الزهر تكريما لميا ثواتي ثواتي خاينغ، أول متظاهرة لقيت مصرعها خلال الاحتجاجات. وقال أحد المتظاهرين إن “الرصاصة التي أصابتها لمست رؤوسنا جميعا”. وكتب متظاهر آخر “أنتِ شهيدتنا”، واضعا وردة بيضاء عند أسفل صورتها. وقامت مراسم دفنها امس الأحد.
وبعد نحو ثلاثة أسابيع على الانقلاب الذي أطاح الحكومة المدنية برئاسة أونغ سان سو تشي وأنهى مسارا ديمقراطيا هشا بُوشِر قبل عشر سنوات، لم تؤثر التنديدات الدولية والإعلان عن فرض عقوبات جديدة، على الجنرالات. وقُطعت خدمة الإنترنت بشكل شبه كامل لليلة السادسة على التوالي، وعادت إلى العمل امس الاول السبت.
مئات التوقيفات
وتتواصل التوقيفات مع اعتقال قرابة 550 شخصا في أقل من أسبوعين بينهم مسؤولون سياسيون وموظفون حكوميون مضربون عن العمل ورهبان وناشطون، وفق ما أفادت منظمة غير حكومية تقدم المساعدة للسجناء السياسيين. وأُفرج عن نحو أربعين شخصا فقط.
واعتقلت الشرطة البورمية ممثلا مشهورا مطلوبا لدعمه المعارضة لانقلاب الأول من شباط حسبما قالت زوجته. وكان الممثل لو مين أحد ستة مشاهير قال الجيش الأربعاءالماضي إنهم مطلوبون بموجب قانون مكافحة التحريض لتشجيعهم العاملين في الحكومة على المشاركة في الاحتجاج. ويمكن أن تصل عقوبة هذه التهم إلى السجن لمدة عامين.
وشارك لو مين في عدة احتجاجات في رانغون. وقالت زوجته في مقطع مصور بث على صفحته على فيس بوك إن الشرطة جاءت إلى منزلهم في رانغون واعتقلته. وأضافت “فتحوا الباب عنوة واقتادوه ولم يخبروني إلى أين يأخذونه. لم أستطع منعهم”.
ولم يرد المتحدث العسكري زاو مين تون، وهو أيضا المتحدث باسم المجلس العسكري الجديد، على محاولات رويترز المتكررة للاتصال به عبر الهاتف للتعليق.
وتظاهر مئات آلاف البورميين في الأسبوعين الماضيين في أرجاء البلاد، في تحرك غير مسبوق منذ “ثورة الزعفران” التي قادها رهبان العام 2007 وقابلها الجيش بقمع دام.
وأفيد في الأيام الأخيرة عن حوادث عدة أسفرت عن وقوع جرحى. من جهتهم، أفاد العسكريون عن وفاة شرطي في مطلع الأسبوع. ويسود الخوف من تحركات الجيش في بورما التي عاشت تحت حكم المجلس العسكري على مدى أكثر من خمسين عاما منذ استقلالها العام 1948.
وبالرغم من ذلك، تتواصل التجمعات والدعوات إلى العصيان المدني، فيما لا يزال الإضراب متواصلا بمشاركة أطباء ومدرسين ومراقبين جويين وعمال السكك الحديد.
وفي مونيوا بوسط البلاد، أدى شرطي التحية رافعا ثلاثة أصابع رمزا للمقاومة، قبل أن ينضم إلى مظاهرة، بحسب ما أظهرت مشاهد نقلت على مواقع التواصل الاجتماعي. وأكدت صحيفة “غلوبال نيو لايت أوف ميانمار” التابعة للدولة أنه أرغم على تناول كحول وشارك في التجمع تحت تأثير السكر، مضيفة أنه سيتعرض لملاحقات. كذلك أكد الجندي نفسه في فيديو نشر على مواقع التواصل أنه كان ثملا في تلك اللحظة.
عقوبات جديدة؟
لا تزال أزمة بورما في صلب الاهتمامات الدولية. ويعقد وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي الاثنين اجتماعا لمناقشة احتمال فرض إجراءات ضد الجيش.
من جهتها، حذرت منظمة “بورما كامباين يو كاي” (حملة بورما في المملكة المتحدة) غير الحكومية من أن “معاقبة بعض القادة العسكريين هي خطوة رمزية مهمة، لكن لن يكون لها تأثير كبير”. وأضافت أن “من غير المرجح أن تكون لدى القادة العسكريين البورميين أصول يمكن تجميدها في الاتحاد الأوروبي، ومنعهم من الحصول على تأشيرة لا يعني سوى منعهم من تمضية إجازة”، داعية إلى اتخاذ تدابير ملزمة تطال التكتلات الكبرى التي يسيطر عليها العسكريون.
وحتى اليوم، لم تعلن الولايات المتحدة التي أدانت “أي عمل عنف ضد شعب بورما”، سوى عقوبات موجهة ضد بعض مسؤولي الجيش، وكذلك كندا وبريطانيا القوة الاستعمارية السابقة. وتعتبر بكين وموسكو، الحليفتان التقليديتان للجيش البورمي في الأمم المتحدة، أن الأزمة في بورما “شأن داخلي”.
وقال موقع فيس بوك إنه حذف الأحد الصفحة الرئيسية لجيش ميانمار بموجب معاييره التي تحظر التحريض على العنف. وقال ممثل لفيس بوك في بيان “تماشيا مع سياساتنا العالمية، حذفنا صفحة فريق معلومات تاتمادا من فيس بوك بسبب الخرق المتكرر لمعايير أوساطنا التي تحظر التحريض على العنف..”.
ويشتهر جيش ميانمار باسم تاتمادا. ولم تعد صفحته متاحة اليوم الأحد. ولم يرد المتحدث العسكري على اتصال هاتفي من رويترز للحصول على تعليق.
واستعاد الجيش السلطة بعد زعمه حدوث تلاعب في الانتخابات التي جرت في الثامن من تشرين الثاني والتي اكتسحها حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية بزعامة سو تشي واعتقلها وآخرين. ورفضت مفوضية الانتخابات الشكاوى المتعلقة بحدوث تلاعب في الانتخابات.
ومع ذلك يقول الجيش إن ما قام به دستوري وتدعمه غالبية الشعب. وينحى الجيش باللوم على المحتجين في التحريض على العنف. ووجهت التهمة إلى أونغ سان سو تشي البالغة 75 عاما والممنوعة من التواصل مع أي طرف، بأنها استقدمت “بشكل غير قانوني” أجهزة اتصالات لاسلكية وبأنها انتهكت قانونا لإدارة الكوارث الطبيعية، وهي تهم غير سياسية.