محمد زكي ابراهيم
لقد بات واضحاً أن الهجرة إلى دول الشمال هي حقيقة واقعة. وأن قوافل المهاجرين في تصاعد مستمر. وليس ثمة سبيل لتوقف هذا النزوح الجماعي سوى التنمية الشاملة، التي تصبح فيها الحياة الرغيدة الآمنة متاحة للجميع دون استثناء.
لقد سبب لنا الشعور بالقصور عن بلوغ نمط العيش الغربي الكثير من الإحباط. لدرجة أننا بتنا غير قادرين على صنع نموذجنا الخاص. فكل شئ في نظرنا أصبح مقروناً بما يتحقق في الغرب، حتى لو كان ناجماً عن سلوك عدواني، أو نهب منظم، أو استعمار طويل. ومع ذلك فإن المهاجرين الذين يحطون رحالهم هناك، يميلون للعيش مع أبناء جلدتهم في تلك الديار. وبعض هذه المجتمعات تتميز بلون ديني أو مذهبي خاص. فمن الصعب التخلي عن الثقافة المجتمعية. صحيح أن الأجيال الجديدة تتكيف للعيش بسرعة. إلا أنها تحتفظ مع ذلك بجزء منها ورثته من الآباء، أو تعلمته من البيئة، وهكذا.
والغربيون الذين يعانون من نقص في عدد السكان، يخشون من طغيان الثقافات الوافدة. حتى لو كان ذلك على شكل أزياء شعبية. وحينما كانت السيدات المنقبات يهبطن على فرنسا بكثافة من شمال أفريقيا، كان الفرنسيون يتخوفون من تحول النقاب إلى زي وطني. لكن ما حدث بعد عقود قليلة أن بنات المهاجرات المسلمات بدأن يرتدن الشواطئ بلباس البحر، ولا يرين في ذلك بأساً. فالثقافات تكابد تحولات أيضاً، مثل أي كائن حي آخر.
لقد ترسخت في أذهان الجيل الماضي، تلك الحركة المهيبة التي صنعها أدباء المهجر، وأدخلوا فيها النزعة الرومانسية إلى الأدب العربي، في ذات الوقت الذي كانت تقرع فيه طبول الحرب العالمية الأولى. ومن حسن حظهم أن البلاد الأميركية لم تتورط في تلك الحرب، الأمر الذي وفر لهم ظروفاً ملائمة. لكن هذه الحركة تلاشت برحيل أصحابها، ولم يتبق منها سوى ما خلفته من آثار. رغم أن عدد المهاجرين الجدد تضاعف مرات ومرات.
والواقع أن البلاد العربية تعاني هي الأخرى من توافد ثقافات أجنبية أيضاً. فهناك الآن ما لا يقل عن 10 ملايين آسيوي في دول الخليج. وقد وصلت نسبتهم إلى مجموع السكان في إحداها إلى أكثر من 90%. وبعض هؤلاء ولدوا على هذه الأرض. والبعض الآخر تحول إلى مالك للشركات والعقارات. عدا عن العمالة المؤقتة. ولا يشعر هؤلاء بحاجة لتعلم العربية، أو اكتساب ثقافة أهل البلاد، لأنهم يعيشون في مجتمعاتهم الخاصة.
ليس معروفاً حتى الآن في ما إذا كان هؤلاء المهاجرون قد أنتجوا أدباً “مهجرياً” أيضاً. أو أن الحياة العربية قد أغرتهم بالتقاط شيء ما. فمعنى ذلك إذا ما حدث أن الثقافة العربية قادرة على العطاء مثل سواها من الثقافات. لقد أغرمنا بالثقافة الغربية، وطفقنا نستلهم منها كل يوم ما تنتجه من نظريات وعلوم وأفكار. وبسبب ذلك شددنا إليها الرحال. فهل يفعل الآخرون مثل هذا معنا أيضاً؟