محمود خيون
“قرى غامضة” مجموعة قصصية للكاتب والناقد والشاعر دوغلاس دان التي ترجمها وأرفقها بدراسة نقدية الباحث والمترجم، سعيد الروضان وهو كاتب ومترجم من الطراز الأول مهتم بالادب الغربي والعالمي إذ يتفاعل مع الترجمة بحسية ونمطية غاية في الدقة والتوضيح والدلالة الراقية التي تنم عن مهنية وحرفية وقدرات متنامية في إعداد النص المترجم والحرص الشديد على مطابقة اللغة مع النص المعني بالترجمة الى العربية..
من خلال القراءة الأولى لمقدمة الكتاب التي صورها لنا الناقد سعيد روضان بأبهى صورها والحسية والحكائية التي تنم عن قدراته في تطويع مايريد من أجل أن يصل بالقاريء الى الحقيقة التي يريدها المؤلف نفسه، إستطاع المترجم أن يغور في عوالم دوغلاس دان الخفية والتي ميزته عن بقية زملائه من الكتاب في تلك المرحلة ومنهم أجاثا كرستي و ينستون تشرشل وليس كارول وليام شكسبير وجين اوستن…
ودوغلاس دان امتاز بتعدد المواهب فهو شاعر ومترجم وكاتب وناقد في المملكة المتحدة ترك الدراسة ليتفرغ للعمل ونشر أول كتاب له وهو عبارة عن ديوان شعر بعنوان شارع تيري عام ١٩٦٩ ثم بعدها نشر مجموعته القصصية قرى غامضة في عام ١٩٨٥..
ويشير المترجم الى أن بعض قصص قرى غامضة نشرت في مجلات النيويوركي وبعضها في انكاونتر وبعضها في نبتش ) …ويضيف المرزوق أن( من الممتع أن تكون هناك مقارنة بين الاساليب الثلاثة بالنسبة للامركيين فأنهم يضعون اسكتلندا في مصاف المقدار الضئيل والدخيل الرومانسي والمعلومات غير الفضولية والواقعية كما لو أن المواطنين المحليين يوضحون ذلك إلى السائحين المحبين للصيف…وتعبر القصص المنشورة في مجلة انكاونتر أكثر تلميحا وايجازا وملائمة للسوق.. )..
ويفسر لنا المترجم سعيد روضان القصة الأولى والثانية في المجموعة وهي تخص الأولاد غير الشرعيين واحدة تدعى “امريكا الجنوبية )وتتلخص القصة بأن يذهب مهندس التعدين الى تلك(القارة تاركا زوجته الفائقة الجمال بصحبة طفلين صغيرين لكنه يبقى هناك ويرفض الرجوع بسبب الحرب أو أي شيء آخر وتحمل زوجته بطفلين آخرين خارج الزواج )..
أما القصة الثانية تدور القصة (حول صالة شاي التي تديرها الانسة فريمي مع نادلتين جميلتين ماورين وماندي.. منذ أن صرحت الانسة ماروين أن الرجال المتوسطي العمر يحبون أن تخدمهم نادلات جذابات..لكن احدهن تشمئز عندما يلمس السيد كروكشاك ذراعها وهو الذي يتمتع بحق إستخدام شوكات الطرشي الفضية . . تقول النادلة بهدوء انها يقتحم الشوكة في عينه.. ينعقد المشهد عندما يقوم ابن الانسة فريمي غير الشرعي بصحبة خطيبته وهنا تطلب الآنسة ميوري من النادلين عدم إفشاء السر لكن احدهن تنادي بالتخلص من الشوكات الفضية التي تمثل نوعا من أنواع الاضطهاد..نشرت هذه القصة في مجلة تبتش ).
ومما تقدم فأن بالادب العالمي يرى أن دوغلاس دان يقوم بوصف الأشياء المكان والزمان وما تعرف بالزمكانية…فهو يتميز إذن بأسلوبه القصصي الذي يعتمد وكما وصفه الباحث والمترجم سعيد روضان بالتلميحية والايجاز…من دون الدخول في تفصيلات مملة وثقيلة على القاريء العادي.. وربما يذكرنا دوغلاس دان بما كتبته الروائية احاشا كرستي في روايتها(المراة المكسورة ) وعبرت عنه في كل مقطع حكائي إستطاع أن يأتي بصورة أكثر وضوحا مما تريظ الكاتبة وصفه ودرايته….
وبما أن المترجم الروضان قد أكد لنا حقيقة ماهية دوغلاس دان في الكتابة وهي أن من أهم سمات لغة دوغلاس دان هي التلميح والايجاز…ففي القصة الأخيرة من المجموعة والتي تحمل عنوان في ليلة خارج نادي الهارومونيكا يعلن بطل القصة الذي أراه يمثل المؤلف دوغلاس دان نفسه..قراءته لديوان (الصابون)بقلم فرانسيس بونج الشاعر والناقد الفرنسي…الذي انصبت اهتماماته على الألفاظ في اللغة إذ رأى أن المفردات تؤلف عالمنا الذي نعيش فيه ورغم أن الكثير من الألفاظ تفقد صفاءها والقها من كثرة إستخدامها.. لذا أهتم بعلم التأصيل اللغوي.. تتبع أصول الألفاظ وتطورها ودلالاتها وانتخب مايسعف قريحته ومعانيه وكثيرا ما كان يحتفي ببعض الألفاظ التي تتطابق اشكالة حروفها ومدلولاتها…وكان يبشر بولادة الفاظا أشرت معاني جديدة وكما وردت في الموسوعة الميسرة….
ويصف المترجم والباحث الكبير سعيد روضان أن دولاغلاس دان يرى النقاد في قصصه إمكانية تلميحية وايجازية تقترب من الشعر ويستطيع القاريء تلمس ذلك من المقتبسات ألاتية….لقد كنت مبالغا في تصرفك كما لو إنك قبلت اذنها..قالت امه انت …انا ووالدك نرغب أن نجد انفسنا في حفل السمكري…وانت العريس ربما يبدون لاشيء على الأرض. لكنهم صارمون عندما يتعلق الأمر بما يرفرف بجناحيه في مخيلتك….