-1-
القراءة المتأنية للملف الحسيني تقودنا الى الايمان بأنَّ الامام الحسين (ع) اعتمد الحوار والاقناع وسيلةً في تعامله مع الذين أراد تعبأَتَهُم للقتال ضد الكيان الأموي الغاشم ،بل وجرى على ذلك حتى مع أقرب الناس اليه …
وموقفه من أخيه محمد بن الحنفية يوّضح هذا المنحى بجلاء .
-2-
ومن المعلوم أنَّ (محمد بن الحنفية) لم يكن يغفل –على الاطلاق – عن أنَّ الحسين (ع) هو حجة الله ، وهو الامام المفترض الطاعة عليه وعلى جميع المسلمين .
وكان بمقدور الامام الحسين (ع) ان يأمره بالالتحاق بركبه السائر لكربلاء ، ويبتعد عن كل الصِيَغ الأخرى التي تتيح لأخيه التخلف عنه ، ولكنه لم يفعل ذلك، حيث بانَ له من حديث اخيه معه انه لم يكن يملك الرؤية الثاقِبة في طريقه مواجهة التحدي الصعب المتمثل باستيلاء ( يزيد ) على الخلافة وتحويلها الى ملك عضوض …
والسؤال الآن :
كيف عرف الامام الحسين ذلك ؟
والجواب :
عرف الامام الحسين (ع) ذلك من قول محمد بن الحنفية له :
( انّي أخافُ عليك أنْ تدخل مصراً من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم فتكون لأول الأسنّة غَرَضاً فاذا خيرُ هذه الأمة كلها نَفَساً وأباً وُأمّاً أضيعها دما …. )
ان الامام الحسين (ع) كان على يقين أنَّ دمه الزكيّ – الذي سيُريقه الأوغاد في كربلاء- سيهز عروش الظالمين ، وانّتضحياته الفريدة ستحرك ضمائر الاحرار وتدفع بهم الى المواجهة الساخنة مع قوى الظلم والظلام، وبالفعل فقد تحوّل دمه الزكيّ، المراق ظُلماً وعدوانا في كربلاء، والذي كان يخشى ( ابن الحنفية ) أنْ يكون أضيعَ الدماء – الى مفتاح النصر في معارك التغيير للواقع الفاسد منذ يوم عاشوراء حتى اليوم …
انّ محمد بن الحنفية وفقاً لتصوراته الخاصة تلك، لم يكن مؤهلاً لدور تاريخي متميّز يجعله من أبطال المعركة التي خطط الامام الحسين (ع) لها وأرادها أنْ تكون اخطر معارك التاريخ …
انّ الامام الحسين (ع) أراد ان يكون أبطالُ الطفّ المقاتلين معه على مستوى الفتح الذي يكون منعطفاً بين مرحلتين :
مرحلة الركون الى الدعة ومهادنة الكيانات الغاشمة، رغم انها لا تشكل أكبر الاخطار على الدين فحسب بل على الدين والمسلمين والانسانية جمعاء .
ومرحلة التصدي لإطفاء نائرة الزيغ والانحراف والظلم والانتهاكات الفظيعة للقيم المقدسة والكرامة الانسانية ولو بسفك المهج وتقديم أغلى القرابين ..
-3-
انّ ابن الحنفية سأل الامام الحسين (ع) عن سر حَمْلِه النساء معه .
فأجابه الامام الحسين (ع) قائلاً :
( انَّ الله قد شاء أنْ يراهن سبايا )
وهذا الجواب يُشعرُ ( ابنَ الحنفية ) أنَّ هناك أبعاداً غَيْبِيّة رسمت فصولُها بدقة، وأنَّ الحسين (ع) ماضٍ لتنفيذها، ومع ذلك لم يغيّر ( ابن الحنفية ) موقفه، وهنا تحوّل الامام الحسين (ع) الى اسناد مهمة لا تتعلق بالقتال الى اخيه .
-4-
وأتاحَ له الخيار في البقاء بالمدينة المنورة على أنْ يكون عَيْناً له يوافيه بأخبار أعدائه وتحركاتهم ولا يُخفي عليه شيئا منها …
وهنا يمكن درس ثمين :
سُداه ولحمتُه الافادة من الرجال في المضامير التي يمكن ان ينهضوا بها في ظلّ أداء سليم ، ومراعاة كاملة للموازين،
وهكذا كان …
فقد أثبت الامام الحسين (ع) أنَّ الدم ينتصر على السيف ،
كما ان ( ابن الحنفية ) حَرَمَ نفسه من أنَّ يكون واحداً من الشهداء بين يديْ أخيه الحسين يوم عاشوراء .
واستطاع القاسم بن الحسن – وهو الفتى اليافع – أن يحتل هذه المكانة دونه .
وهكذا فاق القاسم عمه ( ابن الحنفيّة) بموقفه الشجاع الواعي وانطلاقته الرائدة في المنازلة الساخنة لأعداء الله والانسانية وامتلك وسام الخلود وعاش في وجدان الجماهير والعشّاق رمزاً كبيرا للتضحية والفداء ، وقدوة للفتيان والشبان في الأخلاق والمسار .
حسين الصدر