سلام مكي
كاتب من طراز مختلف، شاعر ينتمي إلى جيل مختلف أيضا، يمتلك مشروعا ثقافيا ومعرفيا خاصا، يتمثل في التأسيس! فما أنجزه شاكر من كتب تخص الشعر والعمارة والفن، هي كتب تأسيسية، تسعى لأن تكون نقطة انطلاق للكتاب من بعده. تكاد الثقافة والمعرفة أن تكونا شاغله اليومي، يبحث وينقب في قلب الحدث، محاولا استنطاق الصامت منه، ينفض الغبار عن المختبئ والمغمور في كل مجال يكتب فيه. صاحب بصمة وأثر في ما يكتب. صاحب كتاب ” الشاعر الغريب في المكان الغريب” الصادر عن دار المدى عام2003، تناول وبشكل موضوعي إلى حد كبير، تجارب الجيل السبعيني. ونجد لعيبي، أنه أشار إلى عدد من الأسماء التي غيّبها النسيان، أو لم تترك أثرا ولم تشغل حيزا في المساحة المخصصة لذلك الجيل في الشعرية العراقية، وهو ما يحسب له. ثم كتابه” رواد قصيدة النثر في العراق” الذي حاول من خلاله تأصيل تجربة الكتابة الجديدة، والاشارة الى أن وجودها في العراق، لم يكن جديدا، بل هو أسبق من تجربة جيل الرواد.
ما يهمنا في هذا المقام، هو المشروع الجديد لشاكر، والذي يعكف على انجازه وتجميعه بشكل يومي، عبر صفحته الشخصية، من خلال ما ينشره بشكل شبه يومي تحت عنوان” التاريخ الاجتماعي الحديث للعراق عبر المدونة الفوتوغرافية” . هذا المشروع الحيوي والمهم، رغم أنه لم ينل تلك الأهمية التي يستحقها، ولم يحظ بتفاعل حقيقي من قبل القراء، لكن هذا لا يقدح بأهميته. تلك الأهمية التي تكمن في أنه محاولة لإعادة كتابة التاريخ فوتوغرافيا، والتاريخ الذي تكتبه الصورة يختلف كليا عن التاريخ الذي يكتبه القلم، من جانب أنه تاريخ لا يكذب، ولا يخضع للمزاج الشخصي للمؤرخ، تاريخ يكشف الحقائق لا رتوش، ولا تزويق. فما ينشره لعيبي في مدونته، لا يخص فئة محددة ولا جانب محدد، بل يشمع جميع فئات المجتمع، جميع الطوائف والأديان والملل والنحل. يصور الحياة العامة وحتى الخاصة في الماضي القريب، يكشف للمختص بالتاريخ الصورة الحقيقية لذلك العصر، من جميع النواحي، الملبس، المأكل، الحركة، الفعل… ورغم أن التعليقات التي يوردها لعيبي تحت كل صورة، ليست كافية ولا تشبع فضول القارئ أو المشاهد بشكل كامل، ذلك لفقر المصدر الرئيس لها، للكشف عن التفاصيل الكاملة لتلك الصور، لكن لعيبي يعطي الجانب الأهم والأعم لصوره، ويترك للمتابع تحليل الصورة، كأنه يقول للقارئ: عليك تقع مسؤولية إكمال ما انتهيت منه أنا. عليك أن تكمل أنت ما تريد معرفته، بأساليبك الخاصة. وهذا الاسلوب يعرفه القارئ لكتب لعيبي. فهو قبل أن يكون كاتبا، شاعر، والشاعر يكتب وفق نمط مغاير لما يكتبه الكاتب، إذ غالبا ما يترك نصه مفتوحا لتأويل وتحليل القارئ، يترك للقارئ حرية اكمال ما انتهى منه هو. وهذا ما فعله في معظم كتبه التي تترك القارئ أسير أسئلة وحيرة تدفعه الى مزيد من البحث والقراءة، وصولا الى المعلومة الكاملة. إن جهد شاكر لعيبي ومحاولته كتابة التاريخ عبر الصورة يستحق الاشادة والدعم المعنوي، في وقت تنشط فيه المشاريع السطحية والكتابات البادرة التي لا تكشف عن شيء سوى أمراض كتابها، وانشغالاتهم وتجاربهم التي لا تستحق أن تقال في أحاديث عابرة.