محمد زكي ابراهيم
في عام 1555 صدر في فرنسا كتاب اسمه التنبؤات لطبيب يدعى نوستر أداموس، دون فيه توقعاته لما سيحدث في هذا العالم ابتداء من التأريخ المذكور وحتى نهايته عام 3797 للميلاد!
وقد وضع هذا الكتاب على شكل رباعيات شعرية. أي أنه في الأصل ديوان شعر! مثله في ذلك مثل الإلياذة والأوديسا في اليونانية، وأرجوزة ابن ماجد، ومنظومة السبزواري في العربية!
على أن هذه الرباعيات كانت غامضة جداً، استخدم فيها أداموس عبارات وإشارات وكلمات من لغات شتى، كان غرضه منها الإفلات من تهمة الهرطقة. لكن هذا الغموض ساعد على انتشارها، لكثرة ما احتمل من تأويلات.
وقيل أن هذا الكتاب لم يفارق هتلر، رغم نبوءته بهزيمة ألمانيا في الحرب الثانية. كما لم يغب عن ناظري نابليون، مع أنه تنبأ أن يكون عام 1792 عاماً حاسماً في فرنسا، وهو العام الذي أعلنت فيه الجمهورية.
لقد كان هذا الكتاب الذي مازال يطبع بعشرات اللغات حتى اليوم، هو الذي حفز الكثير من الكتاب على وضع روايات خيالية، تتنبأ بما سيحدث في المستقبل. ومع أن أحداً لم يكن يثق في متونها من حوادث، إلا أنها انتشرت بشكل واسع، ولقيت رواجاً كبيراً. مثل روايات أج. جي. ويلز وأولها آلة الزمن التي صدرت عام 1895 . ورواية جورج أوريل 1984 التي صدرت عام 1949، بعد انتهاء الحرب الثانية، ونشوب الحرب الباردة في أعقابها.
لقد تطورت الدراسات المستقبلية تطوراً كبيراً في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، حتى بات يطلق عليها اسم “حفريات المستقبل”. وباتت موضوعاً مفضلاً لدى الكثير من الجامعات، ومراكز البحوث، ودوائر الاستخبارات، وغيرها. وكان البعض منها سبباً في افتعال أزمات قصيرة محسوبة النتائج.
إن أهم ما تهدف إليه هذه الدراسات، التي تعتمد بشكل رئيس على ثلاثة مستويات، هي المحتمل والممكن والمفضل، تقليص عنصر “اللايقين” الذي يمثل مخاطرة غير مأمونة العواقب. وباتت تشمل مواضيع محددة ذات جداول زمنية معينة. حتى قيل أنها تخلت عن عامل الحدس، وأخذت طابع المنهج العلمي.
إن هذا الفن الرفيع لم يلامس الذائقة العربية بعد، لسبب بسيط هو عجز الحاضر عن تلبية رغبات الناس. ولأن المستقبل في نظر الجمهور جاهز دائماً، ولا يحتاج إلى ذهن متوقد، وهو الحياة الأوربية – الأميركية المعاصرة. مع أن الدراسات المستقبلية لا تشترط بديلاً جاهزاً. فهي تبحث عن قيم جديدة في هذه الحياة.
حينما يمسك العرب بزمام الحضارة سيتعين عليهم الحفر في مستقبل مبهم. ويكون جل ما يكتبه الروائيون والعلماء حينئذ البحث عن صورة الحياة العربية في القادم الآتي. وحتى يحين ذلك الوقت سيتعكز العامة على حدس جماعة من المنجمين وذوي القدرات الباراسايكولوجية المميزة، تماماً مثلما كانت الحال مع أداموس. وستصطف الجموع في الأزمات حول هؤلاء باحثة عن حلول، عجز القادة والزعماء عن بلوغها على مر السنين!