مصطفى سليمي (51 عاماً) معارض سياسي قضى أكثر من 17 عاماً في السجون الايرانية، بعد أن اصدرت عليه في العام 2003، احدى محاكم الثورة حكماً بالاعدام وفقاً للمادة التي تعكزت عليها جميع محاكم آية الله خلخالي، أي “محاربة الله ورسوله”. في 28/3/2020 وبعد اضطرابات شديدة تمكن وعدد من المعتقلين من الهروب من سجن سقز، ليصل ووفقاً لتقارير صحفية وافادات اسرته، الى الاراضي العراقية وبالتحديد الى قرية “هنكزال” التابعة لقضاء بنجوين، حيث قضى فيها ستة أيام، وتحت ذريعة اجراء فحص كورونا تم القبض عليه من قبل قوات منطقة بنجوين، ليتم تسليمه للسلطات الايرانية، التي سارعت لاعدامه في 11/4/2020. ان تم التاكد من المعطيات التي اشرنا اليها، فستكون من دون ادنى شك فضيحة من العيار الثقيل، وستتكلل بكل اشكال العار،ان تم تمريرها، عبر تقنيات تشكيل لجان التحقيق المتخصصة بتسويف القضايا ولفلفتها، كما هو الامر دائماً على هذه المضارب المسكونة بمبدأ “القاء القبض على الضحية واطلاق سراح الجاني”. حكومة اقليم كوردستان سارعت لتشكيل لجنة تحقيق، بعد سيل من ردود الافعال الغاضبة على ذلك. لكن هل بمقدورها الخروج عن مشيئة وفرمانات الاقطاعيات السياسية… اني في شك من بنجوين لزاخو؟
انها حكاية حزينة ومؤلمة تضاف الى ذلك السجل والمشوار الطويل من الوجع والضيم العضال المرافق لمسيرة الكورد من اجل الحرية والحياة الكريمة. لقد شاهدت مقطع فيديو مؤلم جداً تم تسريبه عن لحظة اعدام سليمي، مشهد تجسدت فيه كل ما في الشجاعة والشهامة من شيم، حيث دفع جلاديه وهو يصرخ بهم ليبعدوا والدته المسنة عن رؤية مشهد اعدامه، ولم يتمكنوا منه الا بعد ان هاجمته مفرزة كاملة من جلادي وعسس السجن، لقد كان مشهداً لن يمحى من ذاكرة كل من لم تمسخ آدميته بعد. لا أريد البحث كثيرا فيما نسب اليه من تهم، فلو اتفقنا معها فان ذلك يعني تنفيذ مثل هذه الاحكام على غالبية قادة الاقليم الحاليين وممثليه في الحكومة الاتحادية، ومن عمل في صفوف قوات البيشمركة زمن النظام المباد، وكذلك غالبية من انتسب للفصائل المماثلة للبيشمركة في باقي مناطق كوردستان في تركيا وسوريا وايران والعراق. وكل من يعرف شيئا عما عاناه الكورد من الانظمة المستبدة، يعرف معنى الانخراط في صفوف البيشمركة، قبل أن تمر التجربة بما حذر منه محمود درويش ذات فجر “ما أصغر الدولة ما أعظم الفكرة”..
بعد 17 عاماً من افضل سنوات عمره، قضاها في سجون لا يعرفها الا من قذفته الاقدار السيئة للمكوث خلف قضبانها، تمكن مصطفى سليمي من الهرب، ليجد نفسه يتبع خطاه الى حيث سراب الحلم الذي هدهد مخيلته؛ أي مشروع الوطن المستقبلي للكورد “اقليم كوردستان”. ومن الطبيعي أن يضع حواسه التي استنفرها طويلا، كي ترتاح وتسترخي بعد وصوله لاحضان ما افترضه (الملاذ الآمن) لكنه أدرك متأخراً لحظة تسليمه للسلطات الايرانية ما أشار اليه الابن البار لشعب الامازيغ ابراهيم الكوني “.. وكأي مخلوق اتعبه الاستنفار الطويل، استرخى بمجرد أن توارت البلية خلف الربوة الرملية، فكان في غفلة. البلية تعود مع الاسترخاء وتتسلل في الغفلة..”. هكذا تلقى هذا الانسان النبيل الطعنة “الأشد مضاضة” مما افترضه حصنه المكين ومهد احلامه. انها سيرة حياة انسان ولد حرا وعاش حراً ورحل حراً الى عالم لا مكان فيه للعبيد والاتباع..
جمال جصاني