فوزي عبد الرحيم السعداوي
- 1
بعد ثورة تموز٥٨ أبدى الزعيم عبد الكريم قاسم اهتماما واحتراما للشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري وكان بيته هو أول بيت عراقي يزوره…لكن تلك العلاقة سرعان ما ساءت ولاسباب غير معروفة…بدا الأمر بجفاء بالعلاقة …كان الجواهري رئيسا لاتحاد الادباء العراقيين وكان على الاتحاد الحصول على موافقة قاسم بصفته رئيس الوزراء على منحة مقررة قيمتها ٧٠٠٠ دينار لكن قاسم لم يوقع على أوراق المنحة..استشف صلاح خالص سكرتير الاتحاد ان قاسم لن يوقع مالم يحضر الجواهري بنفسه والذي لم يكن يرغب بلقاء قاسم سيما وان الاتحاد كان في حاجة ماسة لاطلاق المبلغ…حضر الجواهري مع أعضاء في الاتحاد الى مكتب الزعيم،وبعد المجاملات قال الزعيم للجواهري ..ما قصة الميمونه مشيرا إلى مقالة للجواهري في صحيفته الراي العام بعنوان ماذا جرى في الميمونه حيث تصدت الشرطة بقسوة للنساء وهو ما جعل الجواهري يسميهم في مقالته شرطة نوري السعيد ..لم يتنازل الجواهري عن موقفه وأكد ما جاء في مقالته فاغضب فيما يبدو الزعيم الذي صمت لبعض الوقت ثم قال اذا اردت الحق انت ايضا من بقايا عهد نوري السعيد،رفض الجواهري ذلك فقال له قاسم ساثبت لك ذلك لدي إضبارة كاملة بهذا الموضوع…هنا يقول الراحل جرجيس فتح الله ان قاسم كان يشير الى ديوان أهداه الجواهري لنوري السعيد مع كلمات رقيقة ..خرج قاسم من المكتب لجلب الاضبارة كما يفترض وهنا الجواهري من غضبه لم يعد يطيق البقاء فهم بالخروج لكن مرافق الزعيم وقف حائلا دون ذلك قائلا انت ابو الأصول فكيف تخرج بدون موافقة صاحب الدار…عاد قاسم بدون ان يجلب معه الاضبارة حيث راى أنصار الجواهري ان ذلك يثبت عدم صحة حديث قاسم اما أنصار الزعيم فقالوا ان الزعيم لم يرغب بتصعيد الموقف..
في وقت لاحق ادعى الجواهري ان سفارة ألمانيا الديمقراطية أخبرته بوجود خطر على حياته وان سلطة الزعيم قاسم تخطط لاغتياله ونصحته بمغادرة العراق..قبل ذلك كان الجواهري قد اعتقل لساعات ثم اطلاق سراحه بكفالة تافهة فهم منها الرغبه في التقليل من قيمة الجواهري..
أثناء إقامة الجواهري في براغ حدث انقلاب ٨ شباط ١٩٦٣ حيث اتصل عزيز الحاج للجواهري ليبلغه بالخبر حيث تفاجأ الحاج من رد فعل الجواهري الذي عبر عن سعادته بمقتل عبد الكريم قاسم قائلا ..ساسرج الشموع…لاحقا في جلسة مع مجموعة من العراقيين وشخصية عسكرية سودانية يسارية اسمه تاج السر القى الجواهري قصيدة ذم فيها الزعيم قاسم ما دعا تاج السر وكان محبا لقاسم ان يلطم على رأسه ويقول للجواهري …يا ابو فرات. اهذا ما طلع منك في يوم كهذا..
الرجاء عدم كتابة اي كلمة نابية بحق اي من الشخصيتين حيث سأضطر لحذفها لان كلاهما من رموز العراق..
- – 2 –
على الرغم من ما أورده الجواهري من انتقادات للزعيم قاسم على أداءه السياسي كخلفية لسوء علاقته بقاسم فإني أعتقد ان الخلاف بين الشخصيتين برغم تأثره بشكل ثانوي بموقف قاسم من الشيوعيين الذين يتأثر بهم الجواهري، هو خلاف صرف شخصي إذ يشتركان بكونهما شخصيات نرجسية تحتاج وتتوقع معاملة خاصة، وهذه المعاملة لم يكن لها ان تحدث لان الأمر لم يكن يجري بين شخص نرجسي وآخر طبيعي .
لقد كان قاسم يعد الشعبية الهائلة التي أصبح يملكها لذا كان يتوقع معاملة مختلفة من الجواهري وغير الجواهري تقر به زعيما لا يتكرر، لكن في الجانب الآخر كان الجواهري وهو شاعر العرب الأكبر يتوقع معاملة خاصة من الزعيم تعترف بموقعه الخاص، لذلك بدأ الطرفان بالتقليل من قيمة الطرف الآخر إلى ان وصل الأمر بعدم قبول أي منهما للآخر وكان مبلغ الكفالة التافه الذي طلبته المحكمة لاطلاق سراح الجواهري اشارة واضحة لذلك وأقول أكثر من ذلك أن كل الملفات التي أثيرت لم تكن جدية وانما مجرد أسباب للتعبير عن الانزعاج من الطرف الآخر.
لقد كتبت منشورا خاصا عن الزعيم عبد الكريم قاسم حددت بعض مواصفاته الشخصية الأمر الذي ازعج العديد من الأصدقاء، الآن أذكر بعض صفات الزعيم في سياق الصراع بينه وبين الجواهري
في لقاء مع الراحل د. محمد حسين الأعرجي الكاتب المختص بشعر الجواهري أكد ان مواقف وآراء الجواهري السياسية لم تكن تعبر عن حقيقة مواقفه وذكر انه في لقاء مع صحفية لبنانية نسف كل مواقفه السياسية السابقة قبل ان نلحق الموضوع ونلغي المقابلة وحتى موقفه من عبد الكريم قاسم هو ليس ما عبر عنه في لحظات دفاعه عن نفسه أو في اثناء صعود نرجسيته ، يقول الدكتور محمد حسين الأعرجي ان طارق عزيز زار الجواهري وجاء ذكر الزعيم قاسم فذمه عزيز فتدخلت زوجة الجواهري قائلة أنشلت أيد من قتلوه، هذا هو الجو العائلي بشأن شخصية عبد الكريم قاسم ولا اجد سببا للاعتقاد أن الجواهري لديه موقف مختلف، انها النرجسية والشعور بالعظمة واستحقاق المعاملة الخاص ففي النهاية الجواهري شاعر وأي شاعر.