فوزي عبد الرحيم السعداوي
في أوائل خمسينات القرن الماضي تأسس حزب البعث في العراق لكنه ظل يتحرك في نطاق ضيق ..مثل الحزب الاتجاه القومي العربي الذي كان يمثله حزب الاستقلال والذي لم يعد قادرا على مواجهة التحديات السياسية والتنظيمية فبدأ ينحل في حزب البعث حديث التكوين،وقد استمر الحال كذلك حتى تموز٥٨ حين حدثت ثورة ١٤ تموز جالبة معها تطورات سياسية واجتماعية غير مسبوقة فقد أطلقت الثورة قوى اجتماعية وسياسية وأفكار ورغبات ومطالبات كانت مكبوته وهو ما أدى إلى تغيير شامل في البيئة السياسية والاجتماعية فقد استفاد الحزب الشيوعي من اجواء الحرية كي يحقق انتشارا شعبيا كبيرا مستفيدا من قرارات وإجراءات الحكومة التي سمحت للشيوعيين بالتمدد العلني والتي واجهتها القوى القومية بالصدود والعداء حيث استعدت تلك الإجراءات القوى الرجعية وغيرها فاصطفت مع القوى القومية…
في الوقت الذي كان الشيوعيين يتوسعون في الشارع كان البعثيون يفتحون ابوابهم لكل من يعادي النظام الجديد حتى صار البعث قوة سياسية كبيرة ومؤثرة وقد كان لافتا انضمام الكثير من الموالين للنظام الملكي الى الحزب ،مثال ذلك عادل عبد المهدي انضم لحزب البعث وهو نجل وزير المعارف الاسبق في العهد الملكي وكذلك إياد علاوي الذي ينتمي لعائلة مقربة من النظام الملكي..
ونزار حمدون نجل الضابط في الحرس الملكي حمدون سعيد الذي قدم للعراق مع الملك فيصل الاول…بالطبع هناك اخرون من مستويات مختلفة انضموا لحزب البعث لكن اللافت ان المنتمين الجدد تميزوا بأداء عنيف،تجلى بشكل علني بالادوار التي لعبوها بعد استلام البعث السلطة في ٨ شباط فعادل عبد المهدي اصبح حرس قومي حيث روى المحامي الراحل خالد عيسى طه ان عبد المهدي حضر الى منزله في الكرادة لاعتقاله حيث انه يسكن في نفس المنطقة واحدهما يعرف الاخر حيث يقول ان عبد المهدي مان انفرد بخالد عيسى طه بعد مغادرة منزله وجه له (كله)في الوجه..اما إياد علاوي فقد ساهم في التحقيقات مع الشيوعيين …حيث يعرف الجميع ما يفعله المحققون باسراهم…واخيرا فان نزار حمدون اصبح لاحقا عضوا في جهاز حنين للاغتيالات الذي شكله صدام حسين …ان العنف الذي ميز سلوك هؤلاء وغيرهم يعود لكراهيتهم للنظام الجديد الذي أضر بشكل مباشر بمصالحهم..لقد أدى انفتاح تنظيمات البعث على الجهات المعادية للنظام الجديد الى تغيير في بنيته وأهدافه فقد تحول الحزب من حزب الى جبهة واسعة تضم اتجاهات سياسية مختلفة ولم يعد حزبا عقائديا له مرجعية فكرية..لقد اعتمد الحزب منذ ذلك الوقت على الممارسة المدفوعة بالعداء لنظام الحكم وداعميه الشيوعيين فوصل الامر وفي تطور غير مطروح في السياسة العراقية ان نفذ الحزب محاولة لااغتيال الزعيم قاسم ورغم فشل المحاولة وانعكاسها السلبي على الحزب حيث تم فصل الأمين العام فؤاد الركابي لكن الحزب استمر في تبنيه للعنف توج بانقلاب ٨ شباط ٦٣ وما تبعه من أعمال قتل وترويع وتعذيب لامثيل لها حولت البلاد الى سجون ومراكز تحقيق الى ان سقط نظام البعث على يد عبد السلام عارف في ١٨ تشرين الثاني ٦٣ اي بعد ٩ شهور من تمنعه بالسلطة… تعرض قادة الحزب وكوادره للاعتقال بعد محاولة انقلابية فاشلة نفذوها في الرابع من أيلول فتراجع دور الحزب وتقلصت تنظيماته على خلفية فظائع ٨ شباط..
لكن البعث الذي لا يتورع عن فعل اي شيء للوصول للسلطة اتفق مع مجموعة من الضباط المشبوهين والمعروفين بارتباطاتهما بدوائر استخبارية غربية للقيام بانقلاب لاسقاط حكم الفريق عبد الرحمن عارف الذي تميز عهده بالاستقرار مع هامش معقول من الحرية اتبع خلاله سياسة نفطية وطنية انفتح فيها على فرنسا وبالذات على شركة ايراب وهو لايحتمل انه كان السبب باسقاطه …
استفاد البعث من تجربة ٨شباط فلم يتبع أسلوب القمع الواسع واعتمد سياسة تشبه العمليات الجراحية في اقتناص المعارضين حيث فتح قصر النهاية ابوابه ليمارس التعذيب والتصفية الجسدية بهدوء …لكن ناظم كزار ومن خلفه صدام حسين في أغلب التحليلات ارادوا كل السلطة فدبر مزار محاولة انقلابية اغتال فيها وزير الدفاع وجرح وزير الداخلية ولم ينجح باغتيال البكر الذي تأخرت طائرته القادمة من بلغاريا بضعة ساعات افشلت الانقلاب…
في نفس سنة الانقلاب ابرم البعث اتفاقا لجبهة وطنية مع الحزب الشيوعي كان واضحا لكثيرين انها تكتيك يجري بعدها تصفية الحزب الشيوعي وهو ماحصل في العام ١٩٧٨..في العام ٧٩ انقلب صدام على البكر واجبره على الظهور في التلفزيون والإعلان عن تخليه عن الرئاسة طوعا..اعقب ذلك ما عرف بمجزرة قاعة الخلد التي صفى فيها صدام معظم الكادر الحزبي القيادي للحزب بدعوى التورط في مؤامرة مزعومة…ولم تمر شهور الا وصدام يتورط في حرب مع ايران وداخلية يشن حملة نادرة في قسوتها ضد حزب الدعوة ومؤيديه…
السؤال المهم الذي نريد الاجابة عليه هو لماذا تميز سلوك البعث بالعنف المفرط وبدون مبررات في غالب الاحيان؟
ان التحولات التي حدثت لتنظيم حزب البعث جولته الى مايشبه المنظمة السرية التي تقدم خدمات حسب الطلب لاغتيال وقتل شخصيات لاسباب مختلفة حيث لم يعد للحزب مرجعية فكرية او سياسية بل فقط ممارسة عنيفة