لأسباب وعلل وشروط موضوعية وتاريخية، مررنا على الكثير منها في مقالات ومناسبات سابقة، تحول عميد الاحزاب والأب الروحي للتنظيمات الحديثة والنقابات والاتحادات المهنية في العراق (الحزب الشيوعي)؛ الى “حايط نصيص” لكل من هب ودب من ديناصورات الاعلام والسياسة أو “زعاطيطهم” الجدد. بالرغم من مرور أكثر من 17 عاما على زوال النظام المباد، وولادة ما يفترض انها مرحلة للعدالة الانتقالية (التي تعطي لكل ذي حق حقه)، الا ان سيل الحملات المغرضة والممنهجة للاساءة لذلك الارث الوطني، لم يخفت وحسب، بل ولج الى اطوارا جديدة بعد استلام الجيل الجديد من “زعاطيط” السياسة والكتابة والتدوين لراية ورسالة اسلافهم في هذا الميدان. زعاطيط نشأوا وترعروا في احضان اسر وبيئات اجتماعية وقيمية ناصبت تلك النشاطات الوطنية والديمقراطية واليسارية العداء مبكرا لدوافع مكشوفة وواضحة، وهم بدورهم لم يكلفوا انفسهم بشيء من التريث، للمراجعة والتحقق فيما اعادوا اجتراره من فضلات وقصص مزيفة ومفبركة عن اسلافهم، الذين الحقوا اشد الاضرار فتكاً بالتطلعات المشروعة والعادلة للعراقيين من شتى الرطانات والهلوسات والازياء.
لقد استعملت عبارة (ارث وطني) ولم أقل حزبي أو اي وصف آخر، فالارث الذي اتحدث عنه لا يمت بصلة لما تبقى من ذلك الحزب وقيادته وممثليه الحاليين، هذا الارث الذي تحول بفعل سلوكهم وسياساتهم وممارساتهم الى “حايط نصيص”، وكل من يتابع سياساتهم الذيلية والمتخبطة قبل زوال النظام المباد وبعده، يدرك مصدر قوة وصلافة مثل تلك الحملات الممنهجة لتشويه المحطات المشرقة من ذلك النشاط الوطني والحضاري والاجتماعي. في مقالي هذا احاول جلب انتباه الاجيال الجديدة، الى ما ينتظرهم من مسؤولية البحث والتنقيب عن ذلك الارث الذي تعرض لتشويه واسع ومكثف، الى ذلك الارث اليتيم الذي لم يجد من ينتصر له. قد يعتقد البعض ان مسؤولية ذلك تقع على الشيوعيين واليساريين والمحسوبين على ذلك الاتجاه السياسي والعقائدي، وهي نظرة محدودة وقاصرة تماماً، فالكثير ممن يدعي الانتساب لتلك العناوين والالقاب نظريا بعيد عنها تماما في الممارسة والتطبيق، كما ان هذه المحطات المشرقة هي ملك لكل عراقي حر تهدهد مخيلته وروحه قضايا الحرية والكرامة والحقوق.
لا يتناطح كبشان على ما انحدر اليه عميد الاحزاب السياسية من مكانة وسمعة ونفوذ اجتماعي وسياسي وفكري في العقود الستة الاخيرة (1960-2020)، وهي حصيلة طبيعية لاي حركة اجتماعية سياسية تركن الى الركود وما يرافقه من معايير الهوان والخذلان. لكن مثل هذه المصائر لا تستدعي منا، وبنحو خاص من يدعي حمله لهم البحث والتنقيب العلمي والموضوعي؛ ان يلتحق بكل خفة ولا مسؤولية بهرولات الدمار الشامل (التعميم)، او كما يقول المثل الشعبي (حرق الأخضر بسعر اليابس)، ذلك المنهج الرائج حاليا والمنسجم مع مناخات الانحطاط التي انحدرنا اليها بهمة النظام المباد وورثة تقاليده وسكراب رسائله الخالدة. لذلك سيبقى ذلك الارث الوطني مستباحاً و”حائط نصيص” لهذه القوافل من القوارض على المدى المنظور، الى ان تمنحنا الاقدار اجيالا جديدة متخففة من وزر هذه المدونات والسرديات والذهنيات التي لا تطيق مناهج البحث العلمي والرصين التي أوصلت “الامم الحرة” لسن التكليف الحضاري، عبر الحفر بالتفاصيل واعتماد وثائق الحدث الواقعية لا المزيفة…
جمال جصاني