يطل علينا اليوم الأستاذ العزيز والصديق فوزي عبد الرحيم السعداوي في سلسلة من النصوص المميزة عن العراق وبغداد والحركة السياسية في فترات سابقة، حيث لم تغط الأدبيات المتصلة بها ذاكرة العراقيين. والأستاذ فوزي كان مساهماً متميزاً على صفحات “الصباح الجديد” وضيفاً عزيزاً على ملحق “زاد” على وجه التحديد قبل ان يمتحنه الله بحادث مؤلم جعله يعتزل الناس كمداً وحزناً … ونحن حزنا لحزنه وندعو الله ان يزيح هذه الغمة عن صدره. واذ كنا نتابع الصديق فوزي السعداوي خلال عزلته وجدنا ان ثمة نافذة جميلة قد فتحت ملؤها الأمل والتطلع الى الحياة من جديد .. ومن هذه النافذة كتب صديقنا سلسلة من النصوص الحميمة ومنها المذكرات النادرة التي سلط خلالها الضوء على عدد من القضايا التي انطوت على رؤيته للماضي والأحداث بما يجعل منها مادة مهمة وغنية بالأفكار والتحليلات. وهنا نمد يدنا للعزيز فوزي مصافحين ومرحبين على أمل ان تتسع هذه النافذة الى المزيد من البوح والذكريات العزيزة علينا جميعاً.
اسماعيل زاير
شيء عن أمي
فوزي عبد الرحيم السعداوي
أظن أن قصة كفاح أمي ليست غريبة عن الأمهات العراقيات اللاتي فرضت عليهن ظروف البلد القيام بادوار خارج اطار دور الام ولاتتناسب مع تكوين المرأة. امي من عائلة بسيطة لم تحظ باي تعليم..كانت البنت الكبرى لعائلة مكونة من بنتين اخريين وولد…اول حادث مهم في حياتها زواجها من ابن عمها والحادث المهم الثاني هو النزوح الى بغداد من مدينتها في الفرات الاوسط …كانت قوية الشخصية ذكية بما لايتناسب مع اميتها…ادركت منذ وقت مبكر اهمية التعليم فوضعت نصب عينيها تعليم اولادها وبذلت من اجل ذلك كل ماتستطيع في ظل غياب كامل للزوج ودوره العائلي الذي اعتمد عليها كليا وحملها مسؤولية الاسرة.. كان زوجها(ابي) متفرغا لاهتماماته السياسية حالما مولها بالشان العام…وهي على رغم اميتها وعدم معرفتها بالسياسة دعمته ووفرت له كل مايمكن ليتفرغ للسياسة دونما اعتراض او شكوى بل كانت تفخر به وباهتمامه…تحت تاثير زوجها وخاصة بعد رحيله اهتمت بالسياسة واتخذت موقفا عقائديا يناسب افكار زوجها برغم ما سببه لها اولادها من ارباك بانتماءاتهم اليسارية الراديكالية…تستمع الى اذاعة لندن التي هي مصدرها للاخبار،ولا تنام قبل ان تعرف نتائج الانتخابات للدول المهمة مثل اميركا وفرنسا…تحصلت على ثقافة سياسية اهتمت ان تملكها لتناقش ابناءها يوم الخميس عندما يلتقون في بيتها…اتعبها ابناؤها او بعضهم كثيرا..ففي العام ١٩٧٤ وبينما كنت لاجئا سياسيا في سوريا قامت السلطة باعتقال كل الذكور من عائلتي عدا شقيقي الاصغر الذي كان في العاشرة من عمره كان شرط السلطة لاطلاق سراح اخواني هو عودتي الى العراق لذلك جاءت الى سوريا لتقنعني بالعودة وعندما اخبرتها ان ثمن ذلك قد يكون حياتي بكت وعادت الى بغداد متخلية عن هدفها ظل اخوتي في التوقيف شهورا طويلة ادت لخسران احد اشقائي الطالب في الصف الاول من الكلية الطبية لامتحانات نصف السنة والفصل الثاني والامتحان النهائي وكذا الامر لشقيقي الاخر الطالب في كلية الادارة والاقتصاد اما اخي الاكبر الذي كان ضابطا طبيبا فقد تم حجزه في وحدته العسكرية.. كان الاقرباء والاصدقاء يزورون امي للتخفيف عنها ثم يبدأون بالحديث عن محنتها فيحملوني مسؤولية ما جرى ويشتموني وهي تجاملهم لانها غاضبة ايضا مني لما تسببته للعائلة لكنها انفجرت يوما فجأة بوجه اقربائها صارخة لماذا تنحدثون بالسوء عن ولدي..ماذا فعل انه سياسي مناضل!! انتهت محنة العائلة بعودتي للعراق واطلاق سراح اخوتي وايداعي التوقيف..توفي والدي وهو لم يكمل الخمسين من عمره بمرض السرطان وترك لها٧اولاد وبنتين لم يكن ايا منهم يعمل لكنها وبمساعدة صديقي والدي حافظت على اسرتها ومكنتهم من اكمال تعليمهم والنتيجة اربعة اطباء اخصائيين والباقين شهادة جامعية واخت معلمة.كانت لها وجهات نظر تقدمية في الكثير من نواحي الحياة…كانت تعد لاولادها اطباق المزة عندما يلتقون في بيتها يوم الخميس وعندما قالت لها زوجة احد بنيها حجية ليس ماتحجين ويه الولد يتركون الشرب اجابت…وهل انا اعلم منهم وهم اصحاب الشهادات بما يضر وينفع ثم هم لايؤذون احدا… • حظيت في ايام مرضها برعاية خاصة من بنتها الصغرى الطبيبة الاخصائية في المفاصل، كانت تلك الرعاية الخاصة التي حافظت على كرامتها من ذل المرض مكافأة نهاية الخدمة للسيدة زكية السعداوي. لك الذكر الطيب ابدا ياامي..جميلك فينا نحمله في حنايانا…لن ننساك