هدى الهرمي*
هناك موجة جديدة من الأعمال الأدبية المعاصرة تحدّد معالمها في خلق لغة خاصة بالطفل نظرا لاتساع الهوّة بين عالم الطفل و اهمية الابداع الحقيقي و تلك المعارف الانسانية في صقل شخصيته. و المتتبع للساحة الثقافية العربية يدرك ان ادب الطفل اصبح احد شواغل الكاتب المعاصر و يظهر ذلك جليا من خلال اتجاه البعض الى الكتابة للطفل ، اضافة الى المشاريع و المبادرات التي تطلقها بعض الجهات المتخصصة لتسهم في تجسير الهوة بين الكتاب و الطفل ، رامية لغرس بذرة القراءة في نفوس الأطفال باعتبارهم المستقبل الواعد في المجتمع.
و اذا ما ألقينا نظرة فاحصة على ماهيّة أدب الطفل ، نجد انه شهد معايير مستحدثة في التعريف به، فلم يعد مجرّد نوع من الفنّ الأدبي بل تجاوز ذلك ليُعدّ أداة تعليمية و تربوية يواكب المناهج الدراسية بل يرتقي بالطفل على مستويات افضل . و يُعرّفه البعض انه أحد الانواع الادبية المتجددة في ادب سائر اللغات الانسانية و يتصّف بالقيمة و الإثارة، و يعكس الحياة الخارجية للطفل و يُكتب بأسلوب و بلغة بسيطة يفهمها الأطفال.
يُعرّف الدكتور هادي نعمان الهيتي أدب الطفل:
«انه عرض للحياة من خلال تصوير و تعبير متميّزين»
اما محمود رشدي خاطر فيقول انه « كل ما يُقدّم للأطفال من مادة مكتوبة سواء كانت كتبا ام مجلات و سواء كانت قصصا ام تمثيليات ام مادة اعلامية.»
و يُعرّف فريد جبرائيل نجار و آخرون ادب الاطفال بأنه « الكتب المُعدّة للأطفال و مطالعاتهم و التي يُعدّها خبراء في ادب الاطفال و تمتاز بجودة مادّتها و اسلوبها و ملاءمتها لذوق الأطفال و مستوى نضجهم.
و لنا ان نتساءل عن خصائص هذا الادب و كيف لها ان تراعي اختلافه عن سائر الآداب الأخرى، نظرا لاهميته و اعتباره وسيطا تروبيا قبل كل شيء.
لقد صرّح البعض ان الطور الذهبي لأدب الطفل العالمي انطلق مع صدور كتاب « أليس في بلاد العجائب « لمؤلفه لويس كارول، الاّ أن ادب الطفل العربي قد تأخر في الظهور رغم ثراء الادب العربي ككل، و ما حكايات « الف ليلة و ليلة « و « كليلة و دمنة» و غيرهما من الارث الشعبي الا أقاصيص و حكايات خاصة بالكبار تناقلها الناس لما فيها من أخيلة جامحة
.( وهذا ما اشار اليه د.هادي نعمان الهيتي في كتابه ( ثقافة الطفل العربي
حيث لم يتبلور في أدبنا العربي الحديث الا في العقود الاربعة الأخيرة من القرن العشرين فبرزت جل الارهاصات الأولى لهذا اللون الادبي في القرن الحالي، و كان اختزالا للثقافات و المفاهيم و القيم و الطموحات المستقبلية.
و يذكر الدكتور فاضل الكعبي الباحث المتخصص في ادب و ثقافة الاطفال « ان النظرة الدونية الى أدب الطفل و عناصر ثقافته الخاصة، أدّى بالنتيجة الى فقر الساحة الثقافية الابداعية و الأدبية الحقيقية في شخصية الطفل.»
فالبعض ينظر الى الكتابة للأطفال على أنها نوع من العبث الكتابي الذي لا يُجدي منه سوى الترف و مضيعة الوقت، و يذهب البعض الآخر في نظرته القاصرة لادب الأطفال، الى ان هذا الادب لا يشغل مساحة مهمة في حياة الأطفال الفكرية و الثقافية و حتى الابتكارية.
من ثم تمّ ازدراء هذا الادب، و بهذا يمكن تفسير تلك الحقبة التي غاب عنها كتاب الطفل، بينما من لديه ادراك لاهميته في بناء اجيال ستتجلّى له الحقيقية في اتجاه واحد، ان أدب الطفل يرتبط بداهة باستراتيجية تعليمية و تربوية تحمل في ثناياها مواد تثقيفية ذات إيحاءات و أهداف وغايات تخدم ثقافة و فكر مجتمع بأسره.
لذلك وجب مراعاة الالفاظ الموجهة للطفل كما لليافعين و ايضا الاهتمام بطرح الافكار تماشيا مع قدرة استيعابه و ادراكه. و من هنا بدأت بعض الاسماء تختص في هذا المجال لصنع رؤية مشهدية واضحة تؤهل و تساعد الطفل من خلال اعمال متنوعة تعالج العديد من القضايا منها العلمية و الفكرية و الترفيهية و التوعوية، فظهرت القصة القصيرة التي تتعلق بالناشئة و الرواية لليافعين و مجلات الاطفال مثل مجلة ماجد، العربي الصغير، عرفان، باسم، براعم، بنات و اولاد، و فلة …الخ
و يعتبر يعقوب الشاروني من مصر أحد اهم كتّاب الاطفال الذين جادت بهم قريحة الوطن العربي، و قد فاز بالعديد من الجوائز و التكريمات و ترك مساحة كبيرة من الاهتمام في نفوس الاطفال و عقول دارسي ادب الطفل و اصدر مئات الاعمال خصوصا في مجال الرواية المقدمة للشاب الصغير مثل رواية «ليلة النار» و «ثورة الامهات في بيت الاسد.»
اما الكاتب اللبناني د.طارق البكري ، فهو يُعدّ من أبرز ادباء الطفل و مديري صحف الصغار و مجلاتهم داخل الوطن العربي و خارجه، الّف اكثر من 500 قصة و كتاب للطفل و تُرجم البعض منها الى عدّة لغات، و في سجله 20 رواية كٌتبت للناشئة و اليافعين و نُشرت في عدة بلدان عربية.
و لنا ان نذكر اسماء اخرى برزت في هذا المجال ، و اهمها الاستاذ محمد جمال عمرو و هو شاعر و كاتب اردني مختص في ادب الطفل و يشتغل في منصب مدير لتحرير مجلة براعم عمّان و سبق ان عمل رئيسا لتحرير عدة مجلات و أصدر العديد من الأعمال الموجهة للاطفال بين اشعار و قصص و مسرحيات.
و انطلاقا من أهمية الادب في حياة الأطفال بادرت بعض الدول في العمل على انشاء برامج و تظاهرات تُعزّز هذا الفضاء و تفتح الباب لنموّ سليم لأبنائها، مثل المعارض المُخصّصة لأدب الطفل و غيرها من الانشطة و الفعاليات بأسلوب مبتكر و ممتع، و تمنيكنهم من المشاركة و الاستكشاف و الابداع لبناء نشء واع، فيتشرّب الطفل من خلال كل هذا، السلوكيات و المعرفة التي تؤسس لمستقبله،
وذلك وفق رؤية شاملة تجمع بتناغم بين الترفيه و المعرفة بغرض رفع الوعي بجدوى القراءة التي تثري خيال الاطفال و تمنحهم المتعة و تغرس حب اللغة العربية في نفوس الصغار و تشجيعهم على الاعتماد عليها كلغة للتعبير عن الذات.
كما تأسست دور نشر مختصة بنشر كتب الاطفال و اليافعين مثل دار الحدائق لادب الأطفال، دار المنهل، دار النحلة الصغيرة و دار « كلمات».
و يعد مشروع « عربي 21 « لتشجيع الاطفال على المطالعة، من اهم البرامج العربية التي تعنى بالقراءة بالتعاون مع خبراء تربويين و مؤسسات ناشطة في دعم القراءة. و يسهر على تنفيذ هذا المشروع مؤسسة الفكر العربي و يهدف الى الاهتمام بادب الطفل و تشجيع الاطفال على المطالعة، باعتبارها من اهم المهارات التي يكتسبها الانسان في حياته و تؤثر بشكل عميق و جذري على تصوره الفكري و الاجتماعي.
والملفت للنظر ان الابحاث العلمية قد أكدت على أهمية القراءة في السنين الاولى من عمر الطفل و ما ينتج من تشابك عصبي و من تطوير للخلايا الدماغية التي تُنمّي قُدرات الطفل الذهنية و تزيد من فرص نجاحه في التحصيل العلمي و العمل و الابداع ، فأصبح أدب الطفل من اهم المواد التربوية التي تدعم انشطة القراءة.
إن ادب الاطفال أدب واسع المجال و متعدد الجوانب فهو لا يعني مجرد القصّة او الحكاية النثرية او الشعرية و انما يشمل كلّ المعارف الانسانية من حسن تعبير و اداء و موسيقى لفظية و ذوق جمالي بصقل ملكة الحسّ و بالتالي فأهميته في تشكيل شخصية الطفل واضحة و جلية فهو يسمو بذائقة جيل باكمله نتيجة لتأثرهم به.
- كاتبة من تونس