فهد الصكر
( يفيق الإله « آبسو «
على الشواطىء يحنو برفق
بركاته « تطبطب « على أكتاف النهر
لتفيض محبة وأمنيات
الربات يقمن قداسا للطفل
بأدعية العشق يهدهدن المهد
وعلى صفحات الموج ، ينثرن ورود اللقيا )
هكذا يفيق البصري ذات حلم على ضفاف سماوات القصيدة ، يلم كائناته المتناثرة على مدينته « الحلم « وهي تغفو على أبجديته التي غازل فيها أول حروفه عشقا ، لترتبط به كحبل سري يرافق محطاته ، وضفافه البيضاء ، نقاء ونماء ، قصائد دونها في دفتره الموسوم « أصفى من البياض « والذي ولد في مملكة السويد ذات مارس من العام 2018 .
ويسجل في دفتره :
« لغرفه الطينية همس
لن يرافقك العمر
ورائحة تملأ رئتيك
ما شممت أعبق منها
لشبابيكه ، العصافير تحج
تعزف
ترقص «
هو يمنح الطين صوت وحده يردد لغته في مسماته المشبعة برائحته ، كتراب سومري ، يعج ببراءته السمراء ، تهمس تراتيله على وتر الأغنيات التي يحلم ، يحاول ثملا بلوغ العصافير وهي تحج ليلا الى غصن بعيد ،على شجرة الضفاف بكل صفاء ، لئلا توقظ شبابيكه الغافية على وسادة أحلامه المسكونة بالوجع والمسافات الطويلة .
ليعود الى مقايضة البحر « الشط « بأنغام القوارب وهي تستفز فيه صحو الضفاف والطين وربما المطر ثانية :
« ترى ..
بماذا كانوا يفكرون ؟!
أولئك الذين قايضوا البحر أحلامهم ،
وصنعوا للريح صولجان
تاجهم الأماني «
وحين يكتب « البصري عبد السادة « بل هو يموسق مفرداته مع « مويجات « الشط ، لتوصل اليه رغوة الحنين لنوارس عاشقة للحن قادم ، من الضفة الاخرى ، هناك تسكن غريبته الموشحة بالأنتظار والرغبة ، حبيسة هواجس لم تتفجر معانيها ولم تهدأ ، أذ غادرتها حيوات « الذين كانوا يفكرون « ، غادرتها ليظل « البصري « وحده يعد ما تبقى على أصابعه من صحبة وايام .
« لتعانق الطرقات ، تشرئب الخطى
بانكسارات الأشعة ، فوق الواجهات الزجاجية
تستحم «
ثانية يطرق ذات الأبجدية – الطفولة – كتعويذة علقتها أم تخاف على أبنها من أوراق الضياع ان تسقط من تقاويم العمر « وأهزوجة الطفولة ، تطوحها الأراجيح – حرائق هو العمر « .
إذن هو وشم المهد شكله طقس عكسه كقصائد أمتصت منه أوجاع ظلت تداعب شغاف قلبه ، وسطور ذاكرته في أول الركض على شواطيء الحلم « البياض « المداف بالبراءة حد الفطرة الأولى ، أزعم أنه أجادها في ( هلا انتهيت لمائدة ، واقتنيت الفرح ، لنبتكر .. حلما آخر ، وهو يبوح هادئا
« دونما موعد
ترتقي سلم الأقاويل ، متهما بالخراب
ومرتق بعض حروف ثملت !!
مرتكبا خطيئة الصمت .. جالسا تعد العثرات «
وهنا أقول هل قرأ الشاعر عبد السادة البصري « سكنات محطات قادمات ، ربما نعم ، حين نصدق تأويل الشاعر ، وبحثه عن حقيقة دون أخطاء ، دون عثرات ، قد تعترضه على ملاعب ضفافه التي لا يقوى على مغادرتها ، ليعيد الكتابة عن الفوانيس وهي بوح حكاياته على عتبات الشتاء ، مانحا الفصول طعم القصيدة – الحلم وأشياء اخر .
« في تلك الليلة ،
والمطر يقبل بابا
رتاجه القلب ، والمفتاح هدوء تام !!
شمعتك عند الشباك
وطيفك يسامر المساء «
هنا يستحضر دفء « السياب « لم يؤجل شاعر بصري قصائده دون ان تجيء ببويبه ، أو شباك حبيبته ، ليخاطب – المطر – وقد صار لازمة محطات سياب البصرة وخليجها الساكن في مفردات الشاعر عبد السادة وهو يهديها الى « روحا شاعرية لن تغيب « .
ليئن وجعه
« ابنة الجلبي باعت شناشيلها
واشترت شمعدانا
لتقيم على روحك قداسا «
لتتوالى تداعيات قصيدته « ببكائها .. تبعث الدفء « وهي تقرأ السياب قصائد يبثها بين أسطره ، ودفتره الشعري بكل حنين وأنتماء وخصب يلوح بالوفاء .
ولا تخلو قصائد مولوده الجميل ( أصفى من البياض ) من الأشارات التي تؤكد عمق تجربة الشاعر البصري ، لتوصل لنا معاني روح التشابه لذائذه الشعرية ، بكل دقائق وقوة مفرداته وهي تدرك روحه المتناثرة على ضفاف شط العرب ، كقاريء لمدينته ، وفيا لمخاضها وقد طال أنتظاره منذ ولادة أول قصيدة له.
ليختم وشم قصائد بـ :
( وعلى صفحات الموج ، ينثرن ورود اللقيا
العذراوات ،،
يأتين من كل فج
محملات بامان خضر
وبأحلامهن يمشطن خصيلات الشاطىء
دفء ،،، عذب ،،، سر ،،،
هو الماء !!! )