باسكال صوما
أفكّر بأنّ التظاهرات النسائية التي تجوب العالم لتؤرق سبات النيام، لا تكفي. علينا في يوم المرأة العالمي أن نعتكف، أن نوقف زرّ التشغيل وأن نرفض فعل أي شيء.
أقترح إقرار يوم المرأة العالمي، يوم عطلة لجميع النساء. بحيث أننا لا نذهب إلى مكاتبنا وأشغالنا ومدارسنا وجامعاتنا، لا نُنفق على عائلاتنا، لا نفتح النوافذ ولا نرتب البيوت، لا نطبخ، لا ندرّس الأطفال ولا نعتني بهم… في المقابل، يكون على الرجال القيام بكل ما نقوم به عادة، وكل من يقصّر يدفع غرامة أو يُسجن، أو يكتب قصاصاً “أعتذر حبيبتي” مليون مرة، كل سطر بلون. على أساس أن أصعب ما قد يُطلب من الرجل هو الاعتذار.
إنه اقتراح شرير فكرت به في السنة الماضية في مثل هذا اليوم، أكرره الآن لأنني أظنّه منصفاً وإن كان شاعرياً بعض الشيء. لكنه حاجة برأيي ما دمنا نعيش في مكان ما زال يناقش ما إذا كانت “نائبة” تحتمل أن تكون مؤنث كلمة نائب، أم أنها مصيبة وحسب. ربما ما زلنا نحاول تفسير قصدنا وما زلنا في مرحلة الشرح، وربما ستطول المرحلة، فالرجال الذين نحاول إفهامهم لم يكونوا أبداً نساءً، وسيصعب عليهم دوماً أن يستوعبوا أن ما تعانيه النساء أكبر من طفرة هرمونية وأعمق من هواية النكد التي وصموا بها.
أظنّ أنّ كثيرات يشاركنني الشعور الغريب الذي راودني أحياناً في حياتي، “ليتني كنت صبياً”. وتستتبع هذه الأمنية المستحيلة أسئلة من قبيل “لماذا ولدت امرأة؟ لماذا عليّ تحمّل ذلك كله؟”. حين تتمنى المرأة أن تكون رجلاً، لا يكون ذلك بالضرورة مرتبطاً برغبة بيولوجية، إنها فقط رغبة بتخفيف التعقيدات وترويض المسافة مع تحقيق الذات كما هي، بلا حاجة إلى تبرير وتفسير. لكنّني التقيت ذكوراً كثيرين كانوا أيضاً ضحية ذكورية المجتمع، مع أنه من غير العادل أن نساوي بين الضحية والجلّاد، وما يمنحه المجتمع لرجاله كحقوق مكتسبة وطبيعية، تحاول النساء انتزاعه بالقوة من فم السلطات البطريركية والذكورية. لكنّ لنقل أيضاً إن الرجال لا ينجون من جنون الذكورية الذي يلفّ المجتمع. فالصبيان يولدون برجولة مهددة طوال الوقت، ويُطلب منهم إثباتها في كل حين. عليهم أن يحبسوا دموعهم، أن يشتروا بيوتاً غالية ويفرشوها، عليهم أن يجمعوا المال وأن يدفعوا المهور، عليهم أن يكونوا قساةً وألا ينظّفوا صحونهم، حتى لا تسقط عنهم هالة الرجولة. وعليهم طبعاً أن يطبخوا في السر، فالطبخ مهمة نسائية. حتى أسرّتهم تحتّم عليهم الفحولة أن يتركوها بفوضاها، ويشمل الأمر العناية بالأطفال والبيوت ونظافتها واختيار العذارى للزواج. ويُطلب منهم في مجتمعات كثيرة ألا يحبوا زوجاتهم وأن يكونوا عنيفين وبلا رحمة وبلا منطق. إنها مهمّات صعبة. ليس سهلاً أن يُطلب منك أن تكون جلّاد المجتمع. لذلك ربما يتّجه كثيرون إلى اختيار نساء ذكوريات أكثر من الذكور، لتمضية هذه الحياة بأقل ضجيج ممكن. وفي طريق جعل الحياة أقلّ تعقيداً، لا شكّ في أن يظلم الرجل كل أسبوع امرأة على الأقل، فإذا كان مديرها قد يقضم من راتبها، وإذا كان صديقها قد يتحرّش بها، وإذا كان والدها ربما يزوّجها باكراً، وإذا كان أخاها، قد يعنّفها جسدياً ولفظياً، متولياً مهمّة “تأديبها” حيناً، أو مدافعاً عن شرفه في أحيان أخرى.
وربما يكون من الإنصاف، أن نقول إنّ «تروما» الذكورية القاتلة تلك، تشمل أيضاً نساء لسن قليلات، أولئك اللواتي يردن حياة بلا أفق، ورجلاً يملك بيتاً وإن كان قد نسي قلبه وعقله في الثلاجة.
في يوم المرأة العالمي أفكّر بأنّ التظاهرات النسائية التي تجوب العالم لتؤرق سبات النيام، لا تكفي. علينا في يوم المرأة العالمي أن نعتكف، أن نوقف زرّ التشغيل وأن نرفض فعل أي شيء. علينا أن نترك الرجال يتخبّطون في هذا الكوكب، حتى يعرفوا أننا لسنا تابعات وليسوا هم الأصل، وحتى يعرفوا أننا لسنا طبّاخات ومُنجبات ومربّيات وحسب، وليس عليهم أن يكونوا قساة ولا بلا قلب، وأننا سنحبّهم أكثر حين يمتلكون رجولة غير مهددة…
- عن موقع درج