قد تختلف الظروف التي رافقت تشكيل الحكومات السابقة عن الظروف الحالية التي ترافق تشكيل حكومة محمد توفيق علاوي، ذلك أنها تشهد طرفا لاعبا جديدا، لم يكن موجودا سابقا، وهو الشعب، ممثل بالمتظاهرين، الذين أخذوا يشكلون ورقة ضغط كبيرة على الرئيس المكلف وعلى الكتل السياسية. حكومة علاوي المنتظرة برغم أنها سلكت طريقا مغايرا عن طريق الحكومات السابقة، والمتمثل بطريق المستقلين واختيار الوزراء بعيدا عن الكتل السياسية وترشيح الأحزاب وفرض الارادات. برغم ذلك، ثمة اعتراضات قوية من الكتل نفسها، تلك التي كانت سببا في عرقلة تشكيل الحكومات عندما كانت تفرض رأيها، اليوم تجاهلها الرئيس المكلف، وقرر أن يختار وزرائه بنفسه ، متحملا مسؤولية اختيارهم لوحده، من دون إلقاء اللوم على الكتل السياسية.
تلك الكتل، ترى أن الحكومة المرتقبة، لا تمثل الشعب، باعتبار أن تمثيل الشعب، يمر عبرها حصرا. لذا فإن الاعتراضات الكبيرة من شخصيات سياسية وحزبية ومسؤولين كبار في الدولة، تعود إلى تجاهل علاوي لهم، والإصرار على أن يكون وزراؤه بعيدين عن الأحزاب الحالية. وهو إنما يحاكي المتظاهرين، ويغازل أهدافهم في خلق حكومة مستقلة، غير خاضع لإرادات السياسيين.
دائرة الرفض لحكومة علاوي تتسع، كلما اقترب موعد عقد جلسة منح الثقة لها، حتى من الجهات التي كانت داعمة له عند تكليفه، ولعل سبب الرفض نفسه، عند الجهات التي كانت رافضة له بالأصل. من جهة أخرى، مازال رفض المتظاهرين لعلاوي قائما، برغم ما اتخذه من موقف صارم من الكتل السياسية، عبر رفض الحديث عن ترشيح الوزراء من خلالهم، والسبب كما يراه المتظاهرون أن علاوي جاء من الطريق نفسه الذي جاء به سلفه. وهو ما يرفضونه، ويطالبون برئيس وزراء مستقل، غير مدعوم من أحد.
إن حكومة علاوي لها قدر لها أن تحظى بنيل ثقة البرلمان، فإن فرص نجاحها ضئيلة جدا، في ظل عدم وجود داعم لها، لا شعبيا ولا رسميا، ولا حتى وجود بوادر تأييد لها من قبل الجهتين. فلم نسمع أن المتظاهرين أصدروا بيانا يؤكدون فيه استعدادهم للقبول بحكومة علاوي في حال استمعت لهم، وقررت أن تحقق طلباتهم. ولعل بقائهم في ساحات التظاهر، واستمرار سقوط الشهداء منهم، واستمرار استهدافهم، دليل على أن الأزمة لن تنتهي بعد منح الثقة لعلاوي. وحتى أزمة الكتل السياسية مع الرجل، لن تنتهي طالما أنه لم يرشح وزراءه من خلالهم. المفارقة أن كتلا سياسية ضاغطة على الرئيس المكلف، تدعي أن علاوي جاء عبر كتل سياسية مرفوضة من قبل الشعب، وأنه غير مستقل، ومجرب سابقا، وفي الوقت نفسه ، تطالب بحصتها من الوزارات والمناصب والدرجات الخاصة. إن حكومة علاوي تمثل حكومة أزمة، ليس بشخوصها، بل بالوضع القائم، والذي يمثل أزمة كبيرة، داخله مجموعة أزمات صغيرة. والجميع لا يملك مفتاحا لفكها.
سلام مكي