من الأقوال المأثورة:”رُبَّ ضارة نافعة”..وفي الأزمات تزداد التحديات،وقد كان من ردود الأفعال المهمة،في العراق، في مواجهة أزمة فايروس كورونا تعطيل بعض الدوائر الحكومية وتنظيم حملات لتعفير أو تعقيم المباني التي ترتادها عادة حشود بشرية،ومن المعروف أن أغلب تلك الأماكن العامة تعاني من الزحام الشديد وسوء التهوية والرطوبة والتلوث بكل أنواع الجراثيم والفايروسات،وكأنها مصممة لإبادة الناس وليس خدمتهم،ويمكن الإطلاع على مدى نزاهة أي مدير دائرة أو مدرسة أو جامعة أو مستشفى، من خلال مشاهدة المرافق الصحية في دائرته، وهل تصلح للاستخدام البشري؟!..هل توجد في تلك الدائرة قاعات مكيفة للمراجعة والانتظار،وهل تتوفر فيها برادات لشرب الماء المعقم،وهل هناك تجهيزات وأدوية للإسعافات الأولية ومعدات لمكافحة الحريق وسلالم الإنقاذ وأبواب الطواريء؟!
الحكومات المتعاقبة كلها ترفع شعارات خدمة الشعب، وتخصص للدوائر الحكومية ميزانيات مالية ضخمة،فضلاً عن فرض أغلب الدوائر على المواطنين رسوماً مقابل خدماتها، وإن من حق المواطن أن يجد في تلك الدوائر وسائل مريحة تصون كرامته وبيئة تحافظ على صحته،لكن الإهمال والفساد وغياب الضمير لدى الكثير من المسؤولين مع الأسف،قد أنساهم هذه الواجبات البسيطة،وراحوا يتصرفون مثل القراصنة على ظهر سفينة غارقة!
هناك دوائر متخصصة وفق القانون في توفير البيئة الصحية للمجتمع، وفي مقدمتها وزارة الصحة والبيئة وأمانة بغداد والدوائر البلدية في المحافظات،وكلها متهمة بالتقاعس في تأدية واجباتها،والتقصير الفادح في الحفاظ على حياة الناس وصحتهم، رغم الأموال الطائلة المخصصة لها،وكل مواطن يعرف المخاطر الناجمة عن تلوث مياه الأنهار المخصصة للشرب والزراعة،نتيجة فتح مجاري الصرف غير الصحي على مجاريها،وهي جريمة مستمرة لم تهتم الجهات المعنية بمعاقبة مرتكبيها، يضاف إلى ذلك تراكم النفايات في الشوارع ووسط المناطق السكنية، وتلوث الهواء بالروائح الكريهة والأبخرة والدخان القاتل المنبعث من حرقها العشوائي،وعدم توفر معامل كافية لمعالجة القمامة وتدويرها،وغياب الرقابة الصحية والبلدية على النشاطات الغذائية وذبح الماشية والطيور وبيع الأسماك والفاكهة على الأرصفة،وسط هذه البيئة الرهيبة قد يموت المواطن مسموماً أو مختنقاً، وتقيد الجريمة قضاءً وقدراً أو ضد مجهول!
المرض شر يستهدف حياة الجميع، ولا يفرق بين الحاكم والمحكوم، ماداما يستنشقان الهواء نفسه،وإذا كان الواجب يفرض على المسؤول توفير مستلزمات خدمة الناس وحمايتهم من خطر التلوث أو العدوى فإن هناك واجبات مقابلة على المواطن حول مراعاة النظافة الشخصية وتطبيق الشروط الصحية السليمة عند التعامل عن قرب مع الآخرين،وتجنب العادات الضارة، ومن أبرزها المبالغة في المصافحة والإفراط في التقبيل، ووتناول الطعام في المطاعم المكشوفة على قارعة الطريق،وشرب القهوة أو الشاي في المناسبات الاجتماعية في الأقداح غير المغسولة التي تنتقل من فم إلى آخر،وتنقل معها عشرات الأمراض المعدية، ومن أسوأ تلك العادات التدخين في المباني المغلقة أو وسائط النقل،علماً أن هناك قانون لم يطبق بجدية منذ تشريعه قبل أعوام عدة، يمنع التدخين في الأماكن العامة ويفرض عقوبات وغرامات على المخالفين،فهناك الكثير من الناس لا تنفع النصائح في تحسين سلوكهم،ومن ثم يفترض أن يكون القانون حازماً لخدمة المصلحة العامة!
د. محمد فلحي