إلذين تساورهم الشكوك في تظاهرات العراق والذين ينتابهم القلق حول جدية هذا الحراك في الوصول إلى مبتغاه فاتهم أن الملايين التي خرجت وقالت كلمتها بصوت عال نجحت منذ أول تظاهرة في تحريك مكامن الوعي لدى شرائح واسعة من المجتمع العراقي أهمها شريحة الطلبة والشباب الذين يتصدرون مشهد الاحتجاجات تحت كل الظروف حيث يتنامى الوعي ويتعمق الارتباط بعناوين الوطنية وحينما قال المرجع السيستاني ان العراق ماقبل تظاهرات تشرين يختلف عن مابعده فإنه كان مدركا لحركة الوعي الجماهيري والتطلعات الوطنية التي يحملها هؤلاء الشباب وهم يطالبون بوطن جديد معافى حر وغير مرتهن أو اسير لدى حفنة من السياسيين الفاشلين ومن بين اهم انجازات هذه الانتفاضة الشعبية أنها حققت قفزة نوعية في طريقة التفكير لدى شباب العراق في معالجة مايعانيه المجتمع من مشكلاته تسبب بها الاداء السيء والفساد للطبقة السياسية الحاكمة وأصبح هؤلاء الشباب لأول مرة يتحدثون عن هموم مشتركة ترتبط بالانسانية والوطنية وشهدنا على نطاق واسع أيضا رفضا ونبذا لعناوين حزبية ورفضا شجاعا للاخفاق والفشل في جانب السلطة ومهما كانت الانتقادات الموجهة لهذه التظاهرات واتهام البعض لها بأنها جاوزت بعض حدود اهدافها واتهام البعض الاخر باختراقها من قبل مندسين أو خارجيين فان الحقيقة الساطعة هي تميزها بالسلمية والوطنية ورفضها للهيمنة بكل اشكالها وايمان شبابها بالوصول إلى الأهداف مهما كانت التضحيات ومن خلال دراسة التجارب التاريخية لامم وشعوب مارست حقها في الدعوة إلى الاصلاح والتغيير يمكن استنباط نتيجة مهمة مفادها أن الوصول إلى وعي تام ورأي عام جمعي يلتقي عند أهداف محددة ليس بالشيء اليسير وان النضج الوطني الكامل هو في الحقيقة وعي متنام ووعي تراكمي يتطلب صبرا وارادة وان مايجري في العراق هو صحوة وطنية يراد لها ان تتسع وتشمل كل فئات المجتمع من اجل ان يتحقق التضامن والتكامل وان هذا الحراك الشعبي السلمي هو الوعاء المناسب كي يلتقي عنده العراقيون للتعبير عن امالهم لرؤية واقع جديد وفرصة مناسبة أيضا للتعبير عن الاحتجاج للنهج الذي ادارت فيه طبقة سياسية متواضعة مؤسسات البلاد وتسببت بتراجع واسع على مستوى الخدمات واهدرت الفرص المتتالية في تحقيق التنمية وتعمير المدن وصون كرامة الانسان واحترام ارادته في التغيير
د. علي شمخي