علوان السلمان
الأدب ككل الظواهر الحياتية،تاريخه ممتد امتداد الزمن،تاريخ طويل،دائم، متجدد، وديمومته مستمرة في استيعاب الجديد وضمه تحــت أجناسه، والنقد مرتبط به، فالناقد كما يقول هدسون (هـو الذي يقوم بتفسير شخصية كاتب عظيم كما تظهر فـي نتاجــه وبتفسير هذا النتاج في جوانبه المختلفة بوصفه تعبـــيرا عــن الرجل نفسه ،هذا الناقد يتناول الحياة بحق، تماما كما صنع الشاعر أو الكاتب الذي كانت كتاباته مادة لدراسته ..) وهو الراصد والمتتبع للنتاج الادبي بخطوات تأمليــة تحليليــة ثاقبة، لكون الأديب والناقد نوعان مختلفان يقوم كل منهمــــا بمهمته من حيث الغاية والوسيلة، فعمل الاديب إبداعي ومهمة الناقد الكشف عن مواقع الابداع بالتفسير للقارئ ومساعدتـه على فهم الادب وتذوقه، إذ الكشف عن كل المؤثرات التــــي يمكن أن يؤثر بها عن طريق التفسير والتحليل الفني بتحديد مادته وعناصره وطريقة بنائه، لذا فمهمة الناقد بناء علاقـة ما بين العمل الادبي المنجز وكاتبه والقارئ، هذا يعني ان النقد الادبي هو تفسير التفسير لكون الادب بفنونه يفسر الحياة في صور أدبية، والنقد يفسر الصور الفنية التي خرج فيها الادب بأبداع فكر الاديب، كونه علم من العلوم الانسانيـــة ارتبــــط بالفلسفة وعلم الجمال تاريخيا، وموضوعه الادب فيما له مـن خصائص تتمثل في الكشف عن دوره الحياتي، والانسان فــــي محيطه الاجتماعي، والكشف عن طبيعته في ذاته وكفاحــــه وهنا يلتقي النقد الادبي الحديث بالتاريخ، وهو يستعين بعلوم اللغة، إذ مادة الادب الكلمة بما لها من دلالات وعلاقات مــــع الكلمات التي تعانقها وتشكل جملها وصورها وتكشف عن اسلـوب كاتبها. فالأدب موضوع النقد بتعدد جوانب مادته، فقد ينظر اليه بوصفه نتاجا فنيا، أو بوصفه وسيلة إصلاح اجتماعــي أو سياسي، فالنقد الادبي يكشف عن طريقة الكاتب في تصويــر مقومات العلم الادبي أو الفني، وعن طريقة الكاتب في تصوير هذه المقومات وتحليلها وعن الاهداف التي يقصد اليها ومــــدى نجاحه.
من البديهي المتعارف عليه ان كل التحولات الكبرى التي تجري في العالم بمختلف المستويات ترافقها تساؤلات وحوارات من رحمها تولد الحقيقة المتجددة الواعية، هذا يعني ان الحركة النقدية ما زالت تبحث عن نفسها فتجدد في مناهجها وادواتها واجراءاتها ومصطلحاتها النقدية لتواكب الراهن الثقافي والحضاري المتغير بفعل التحولات الناتجة من الصراعات الثنائية المتضادة التي تسود البيئة المجتمعية بكل موجوداتها.
والنقد الادبي العلم الانساني المقترن بالفلسفة وعلم الجمال موضوعه فيما له من خصائص تنحصر في الكشف عن دوره في محيطه الاجتماعي والكشف عن طبيعته في ذاته باعتباره تمظهرا ثقافيا وشكلا تعبيريا محققا المتعة الروحية والمنفعة الفكرية بتفاعله والظاهرة النقدية فيؤثر ويتأثر بها، فيكشف عن تداخل المؤثرات(الادبية والنقدية).. كون النشاط النقدي صيرورة معرفية خاضعة للتطور والتغيير تبعا لحركة العصر، اذ يحاول ان يوافق التحولات الكونية وعلى مختلف المستويات من خلال توليده الاسئلة والحوارات، التي هي (وسيلة حضارية تكشف عن عقلية متطورة نامية)..التي تؤسس والنقد الذي هو (ممارسة ضرورية في الاختلافات الثقافية والمعرفية..)..لعملية انفتاح وتواصل على المستويين الثقافي والانساني الذي يثري الحياة معرفيا وجماليا..
لكن الحركة النقدية عندنا تعاني من ازمة سببها الاول ينحصر في فعل منهج القراءة والتقويم بحكم واقعنا المنغلق على ذاته والبعيد عن اثراء التجارب الفكرية والمعرفية بتجارب سابقة او معاصرة لتحقيق التواصل من جهة والانفتاح من جهة اخرى مما يؤدي الى عدم استطاعته الاجابة عن اسئلة العصر والاستجابة لمتطلباته،لذا يتوجب تأصيل قيم البحث وارساء دعائم الابداع بكل اشكاله التي يأتي في مقدمتها الحوار والجدل الانساني الدافع للمغامرة الفكرية وانتعاش التأويل السابح في عوالم الحرية القيمة المقدسة الواعية للضرورة والخالقة للنشاط في تفكيك بنية النص، مع الافادة من تنظيرات رواد الحداثة(رولان بارت وتودروف ..) وتحول الاشتغال النقدي من البنية الانطباعية الذاتية التوصيفية الى بنية تشتغل على المبنى والمتن الحكائي والانساق السردية، فضلا عن تطويع العلوم كعلم النفس والاجتماع والتاريخ واعتماد الحكاية والفنون الجميلة(سينما تشكيل..)..والبحث في المتن والهامش وكشف الستار عن المقموع والمسكوت عنه، وكل هذا تبناه عدد من النقاد اخيرا تنظيرا وتطبيقا منهم الناقد فاضل ثامر في كتابه(اللغة الثانية) وطراد الكبيسي في(شجر الغابة الحجري) ومحمد الجزائري في(ويكون التجاوز)..ومع صدور كتاب النقد الثقافي للمنظر الامريكي (ليتش) الذي تأثر بستراتيجية جاك دريدا التفكيكية القائمة على الشيئية والتشريحية، وحفريات ميشيل فوكو المعرفية.. بدأ التنظير والتطبيق في قراءة مغايرة للنص اذ الاشتغال على نظرية الانساق المضمرة التي تتشكل من خلال البيئة الثقافية والحضارية، حتى ان بعض النقاد الاكاديميين كالدكتور علي جواد الطاهر والدكتور عناد غزوان اعلنوا صراحة ان النص قد غادر محليته واصبح نصا كونيا..
وكل هذا يجرنا للقول ان النقدية العراقية اتخذت سبيلين في الممارسة النقدية: اولهما اعتماد بعض النقاد على الوصفية البعيدة عن التحليل والتقويم. وثانيهما توجه بعض الاكاديميين على تطبيق المناهج الحديثة.