صادق الشافعي*
معاذ الله أن يذهب معنى العنوان او يكون القصد منه الحديث عن غياب كي لدور للناس، فهذا يدخل في باب عمى البصر والبصيرة.
فقد كان ولا يزال موقف الناس وحضورهم هو الأبرز والاصدق والأكثر جذرية في التعبير عن موقف الرفض المطلق لصفقة القرن والدعوة للتصدي لها واسقاطها، وجاء في انسجام وتوافق تأمين مع مواقفها وحضورها في كل قضايا النضال الوطني، المفصلية منها بالذات.
المقصود في «الغائب الأكبر»، غياب، وبتعبير ادق الى حد كبير، «تغييب» الناس اهل الوطن عن لعب دورهم الرئيس المبادر والحاسم، بالذات في هذا الوقت وما توفره صفقة القرن بكل شرورها وويلاتها من فرصة دافعة لتحقيق إنجازات نوعية، في موضوع انهاء الانقسام الفلسطيني، واستعادة الوحدة الوطنية بشكل كامل، وعلى كل المستويات والعناوين.
تغييب دور الجماهير ليس امراً جديداً ولا يرتبط بحدث محدد، بل ممارسة -وربما سياسة-شارك فيها الجميع بدرجات متفاوتة من المسؤولية حتى ولو من موقع الصمت العاجز. لكن سخونة الحدث الى درجة لسعة الاحتراق والعودة الى التراشق بالمسؤولية عن حال التراخي المخجل (بأمل ان لا يكون تراجعاً او نكوصاً) في البناء على الاندفاعة الوحدوية المفرحة التي أعقبت فوراً اعلان صفقة القرن، والتي وعدت بالخير وباستعادة الوحدة.
سخونة الحدث والتراخي المخجل هما ما يدفعان بإلحاح شديد للعودة الى الناس اهل الوطن.
يزيد في الالحاح ان الوضع العربي أولاً والدولي ثانياً، يوفران فرصة مواتية لا يجوز تفويتها لتحقيق إنجازات هامة في التصدي لصفقة القرن وفي صالح النضال الوطني المشروع بشكل عام.
خصوصاً مع المعرفة ان وحدة الأداة والموقف الفلسطينيين، شرط واجب التوفر، للتعامل مع هذه الفرصة، واستثمارها بأفضل ما يكون.
وإذا كان إجراء الانتخابات التشريعية في الضفة وغزة والقدس شرطاً كان يجب تحققه قبل الذهاب للحوار الوطني الشامل والجامع لكل التنظيمات.
وإذا كانت الظروف القاهرة (صفقة القرن ومقاومتها) قد فرضت تأجيل الانتخابات الى امد غير معلوم.
فما الذي يمنع الآن عقد اللقاء بأسرع ما يمكن؟ وأن يكون على جدول أعمال اللقاء بندان/هدفان أساسيان ومتلازمان لا يمكن الفصل بينهما:
الأول، ويشكل الأساس الذي يقوم عليه كل موقف وتخطيط لاحق، فهو إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الشاملة بكل مضامينها وعناوينها المعروفة.
أما الثاني فهو، وحدة استراتيجية مواجهة صفقة القرن وساحاتها ومجالاتها وأشكالها وأدواتها، ثم أي بنود أخرى يتم الاتفاق على اضافتها.
وما الذي يمنع ان يوفر هذا اللقاء الجامع في حال انعقاده، الفرصة لمشاركة أوسع تمثيل لقوى المجتمع الفلسطيني: ممثلين منتخبين عن الحكم المحلي والاتحادات الشعبية والنقابية والاكاديميين ورجال الأعمال و…
ثم لماذا، ودائماً تقريباً، يتم الاكتفاء وتبرئة الذات بالتواري خلف تلكؤ وتقاعس التنظيمين الأكبر والأكثر نفوذاً وتأثيراً وعدم تفاهمهما وتحميلهما المسؤولية الحصرية؟
لماذا مثلاً، لا يبادر أحد التنظيمات الأخرى منفرداً، والأفضل بالاتفاق مع تنظيمات أخرى، بالدعوة الى عقد مؤتمر مفتوح بالكامل على اوسع تمثيل شعبي لمناقشة الوضع القائم ورؤيته له وليشكل بجرأة وبلا خوف او مجاملة تخطئةً وضغطاً على أي طرف يعارض او يعيق تحقيق الهدفين /البندين المذكورين؟
لماذا لا تتم الدعوة لمثل هذا المؤتمر من كادرات وقواعد أي من التنظيمات منفردين او مع قواعد وكادرات من تنظيمات أخرى؟
لماذا لا يبادر اتحاد المرأة مثلاً، وحدهُ او مع اتحادات شعبية ونقابية اخرى، بهذه الدعوة سواء على مستوى قاعدته، وهي بذاتها واسعة ومنتشرة ومؤثرة، وان يكون مفتوحاً لأوسع مشاركة. ولماذا لا يقوم بذلك اكاديميون او رجال أعمال او …او..
ولماذا لا يكون هناك مؤتمر تدعو له أكثر من جهة للأسباب والدوافع نفسها.
ولماذا لا يكون هناك أكثر من مؤتمر بهذا الشكل والهدف.
المهم والمراد، قيام حركة جماهيرية واسعة في الضفة وغزة، وحبذا لو انتشرت في التجمعات الفلسطينية خارج أرض الوطن حيثما أمكن، وان لا يكون هناك من يتصدى لها ويمنعها في رفض مسبق لدورها ومخرجاتها.
والمطلوب ان تعيد هذه الحركة الجماهيرية فرض وجودها ودورها بصفتها «أم الولد» وصاحبة الوطن والأرض وحاضنة النضال الوطني بكل أشكاله وبكل قواه السياسية والمجتمعية في كنف الإطار الوطني الجامع «منظمة التحرير الفلسطينية».
اما الهدف المباشر فهو تشكيل حالة فعل جماهيري مبادر ومسؤول، لكنه حازم وواقعي في الوقت ذاته، وحالة ضغط جماهيري عارم ومتواصل لا يحابي ولا يجامل، ولا يتحامل أيضاً.
والحالتان تدفعان باتجاه استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية جغرافياً وسيادياً وقيادياً وبرنامجاً ومؤسسات وأجهزة… الخ.
لتصبح بذلك وحدة استراتيجية مواجهة صفقة القرن واي هدف نضالي آخر قضية تحصيل حاصل.
استعادة الحركة الجماهيرية لدورها ومسؤوليتها المركزيين هو ما سيفتح المجال واسعاً امام إعادة تشكيل الحياة السياسية الداخلية على أسس مركزية من نوع: الجماهيرية -الوحدة -المؤسسية -الديموقراطية -الانتخابات الدورية…الخ.
الابتعاد عن لقاءات مع قوى سياسية او مجتمعية من دولة الاحتلال والتي لا تجد قبولاً لدى الناس ومعظم القوى، وحتى لو كان لدى أصحابها دوافع وتوجهات إيجابية، فإنها لا تلقى قبولاً وتبقى مرفوضة من قوى سياسية ومجتمعية وناس اعتياديين.
*جريدة الأيام الفلسطينية