تعتبر حرية الرأي والتعبير من أساسيات الممارسة الديمقراطية التي تسهر المواثيق الدولية ودساتير اغلب الدول على ضمان هذه الحرية وغيرها من الحريات والحقوق التي توسع من مجال ممارسة المواطن لحقوق لصيقة به منذ الولادة ومرتبطة بماهيته كإنسان كرمته مختلف الشرائع السماوية وعلى رأسها الشريعة الإسلامية التي جعلته خليفة الله في الأرض.
غير أن هذه الشرائع السماوية وضعت ضوابط وقيودا على هذه الحقوق والحريات ورتبت على مخالفتها الجزاء ان لم يطلب الإنسان الصفح والمغفرة، وفيه قال عز وجل في كتابه الحكيم “مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ”، وقوله تعالى “أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ” .
من يلقي نظرة على المواقع الاجتماعية يصاب بالدهشة التي تدفعه الى الاعتقاد منذ الوهلة الاولى بانه عالم لا يحكمه قانون ولا تدركه يد العدالة فضلا على أن الجالس خلف الشاشة يختبئ خلف أسامي مستعارة قد لا تكشف عن هويته، وبالتالي يصعب معرفته ومتابعته، وان كانت الدولة تحاول أن تؤطر هذا الحقل وتجرم بعض الافعال التي تتم عبر الوسائل المعلوماتية، وهو الامر الذي يشكل نوعا ما ضمانة لحماية الحياة الخاصة للأفراد.
إن الحديث عن ضمانات حماية الحياة الخاصة مع انتشار وسائل التواصل وتشعبها والتي لم يعد للزمان والمكان أمامها اي اعتبار يبقى غير متحكم في حدوده ويبقى نسبيا جدا، وذلك لان هذه الوسائل خارجة عن رقابة الحكومات ومن الصعب ضبطها بقانون، فلا يحكمها منهج ولا تخضع لأي ضوابط موضوعية تتحكم بها الا ما يريده المتحكمون فيها لتحقيق أغراض معينة غالبا ما ترتبط بالربح او أغراض إيديولوجية قد تكون جهات تدعم في مجال تعميق سلبياتها وتخبط المجتمع في المزيد من الازمات التي يصعب الخروج منها، أو أغراض مذهبية-دينية من خلال ادخال ثقافات غريبة تضرب في الاخلاق- العفة وإدخال الشك في مسلمات دينية أو عملية الاستقطاب والتعبئة لتدمير لحمة المجتمعات وإضعافها، لذلك كان لزاما على الدولة محاولة ضبط هذا المجال بتشريعات تحاول مواكبة الزحف الذي تعرفه وسائل التواصل والتعبير والذي يقترن بتوسع دائرة الاعتداءات على الحياة الخاصة للأفراد.
كما اصبح الرهان قويا على تخليق المجتمع وتوعيته بالأخطار التي تحملها هذه الوسائل التي دخلت إلى الاسرة فقضت فيها على كل معاني الالفة والرحمة، وذلك لما تحمله من افكار هدامة تستعبد الانسان وتجعل منه الخادم المطيع الذي لا يحاول ان يندمج في مجتمعه، وبالتالي لا يؤثر ولا يتأثر بكل ما يحدث حوله ويواجه كل الاحداث التي تحيط به باللامبالاة وانعدام الاحساس تجاهها..
القاضي عبد الستار بيرقدار