من خلال قراءة سريعة لعملية تكليف محمد توفيق علاوي لتشكيل حكومة جديدة، واستقراء آراء ساحات التظاهر، نجد أن ثمة مفارقة في ذلك الموقف المتمثل بشخص علاوي. فالمتظاهرون يرفضون الرجل، لا لشخصه، بل لكونه جاء بالطريقة نفسها مجيء سابقيه، أي عن طريق الأحزاب والكتل السياسية الحاكمة. معنى هذا، وحسب رأي المتظاهرين، سيكون أداة بيد من جاء به، من خلال تنفيذ رغبات الكتل، وأهم تلك الرغبات، هو عدم حرمانها من تمثيلها في حكومته المزمع تشكيلها في المقبل من الأيام.
لكن ما يتداول في وسائل الاعلام من تصريحات لعلاوي، وأحاديث بعض السياسيين، نجد أن الوضع مختلف تماما، ذلك أن السيد علاوي، مصر على مسألتين مهمتين، وهما: إجراء الانتخابات في موعد مبكر، وعدم اختيار وزراء من الكتل السياسية. فهو مصمم على أن يختار وزراءه بنفسه، بعيدا عن إملاءات الأحزاب الحالية. وهو ما يرفضه سياسيون وكتل بشدة، ذلك أن بعض السياسيين الذين يدعون تمثيلهم لمكونات معينة، يرون أن التظاهرات تخص طائفة محددة، ولا علاقة لطائفتهم بها، بمعنى أن الآلية السابقة لاختيار أعضاء الحكومة لا تتغير، فلهم حصصهم في الحكومة والدرجات الخاصة، وكل ما يمكن المحاصصة عليه.
فلا إمكانية للتخلي عن تلك الحصص، وترك رئيس مجلس الوزراء المكلف التصرف بها وفقا لما يراه، بل لابد من أن يختاروا هم من يروه مناسبا لتمثيلهم، حتى لو كان ذلك التمثيل على حساب الوطن. بالمقابل، نجد صمتا رهيبا من جمهور تلك الأحزاب، وكأنهم راضون عن المحاصصة وتقاسم المناصب وكأنها مغانم، بعيدا عن النزاهة والكفاءة والرجل المناسب في المكان المناسب.
من جهة أخرى، تسعى بعض الكتل الى فرض إملاءات من نوع خاص، فهي تطلب من علاوي ألا يختار وزيرا من جهة سياسية معينة، وإلا فإن تلك الكتلة ستعمل على اسقاط حكومته! على رئيس مجلس الوزراء المكلف، أن يدرك أنه أمام كتل سياسية وجهات غير مستعدة للتخلي عن مكاسبها ومغانمها لأجل المتظاهرين، لذا عليه أن يختار: أما السير في الطريق لنهايته، وهنا عليه أن يعرف جيدا أن هذا الطريق يختلف عن الطريق الذي يريده المتظاهرون ويريده الوطن والشعب بأكمله، بل هو طريق السلطة والسياسيين فقط. وأما أن يشترط على من سيصوت عليه في البرلمان أن يختار وزراءه بنفسه هو، وإلا فإنه سيعتذر عن تشكيل الحكومة، وهنا يعني دخول البلاد في نفق معتم، والرجوع الى الوراء. وهو ما سيحدث فعلا، في ظل وجود إرادات متصارعة ومتناقضة: إرادة السياسيين، وإرادة علاوي وإرادة المتظاهرين. فلا أحد من هؤلاء الثلاثة، مستعد للتنازل عن مطالبه مهما كان الثمن. وقد يكون الحل وكما صرح أحد النواب، هو تشكيل حكومة بعيدا عن البرلمان، لأن تصويت البرلمان المكون من الكتل نفسها، ضرب من الخيال في حال لم تمنح حصصا في الحكومة. وهو امر مخالف للدستور، لكن لا بأس، وحسب رأي ذلك النائب، لأن الدستور تم خرقه كثيرا ولا حاجة له بعد الآن، خصوصا وأن تطبيقه يعني البقاء في المكان نفسه. إذا نجح علاوي بتشكيل حكومة جديدة، فلابد له من معجزة سياسية لتحقق ذلك، وإلا فإن كل الأمور تسير نحو طريقين: إما فشله في إقناع الكتل السياسية ببرنامجه، أو اعتذاره وهو ما قد يحصل في قادم الأيام.
سلام مكي