عاطف أبو سيف
قسط كبير من تطلعات صفقة ترامب ليست حقيقة التصالح بين الفلسطينيين وإسرائيل بل بين الأخيرة والعرب. ورغم حالة الودّ التي باتت تظهر بين تل أبيب وبعض العواصم العربية في مخالفات صارخة للموقف العربي الموحد، إلا أن إسرائيل لا تشعر نفسها في حالة سلام مع المحيط العربي. حقيقة أنها كيان دخيل على المنطقة فرضت فرضاً عليه بالدم والحروب والقتل والتدمير لم يكن من السهل أن تجعل منها جزءاً طبيعياً من حالة طبيعية. لذا فإن التطلعات الحقيقة لكل توجهات إسرائيل أمام الموقف الفلسطيني الصلب برفض أي انتقاص من السقوف الدنيا للحقوق الفلسطينية هو فتح الطرق أمام عجلة التطبيع مع المحيط العربي.
ربما بجانب مفاخرته بإفشال عملية السلام لم يفاخر نتنياهو بشيء أكثر من مفاخرته بتطبيع علاقات إسرائيل مع دول عربية عديدة على حد وصفه منها ما ظهر للعلن ومنها لم يظهر. والحقيقة أن مراقبة السياق العربي يقول إن الرجل الكاذب الكبير لا يكذب كثيراً في ذلك؛ فثمة مؤشرات على تغيرات مقلقة في مواقف الدول العربية بجانب الزيارات التي قام بها نتنياهو نفسه والوفود الإسرائيلية لبعض الدول العربية تحت مسميات وحجج مختلفة سواء كانت زيارات خاصة لتعميق علاقات إسرائيل مع تلك الدول أو لحضور نشاطات لمؤسسات دولية وإقليمية أو رياضية. بالمجمل فإن التحولات التي يمكن الإشارة إليها أثمرت على أرض الواقع.
لا يمكن تبرير حضور بعض الدول العربية وممثليها لمؤتمر ترامب مع نتنياهو تحت أي حجة. هل يعقل أن يصفق عربي حين يقول ترامب إن القدس عاصمة إسرائيل وإنه لا حق للفلسطينيين فيها بالمعني والدلالة! كما لا يمكن فهم بعض المواقف اللاحقة للإعلان والتي ذهب بعضها إلى ضرورة النظر فيما جاء في المقترح الذي قدمه ترامب بوصفه مادة يمكن التفاوض حولها. ربما يمكن لدول بعيدة كل البعد عن الصراع أن تقول ذلك، لكن أن يقول به بعض الدول العربية فهذا يشكل انحرافاً عن المصالح العربية وضرراً جسيماً بها ستدركه هذه الدول في المستقبل.
وسيكون من المحزن أن يكون العرب هم من قرؤوا السطر الأخير في مبادرة السلام العربية الذي يشير إلى تحقيق السلام بين الدول العربية وإسرائيل بعد إنجاز البنود السابقة التي تتحدث عن الدولة الفلسطينية والحقوق السياسية بما في ذلك حق العودة. وبقليل من الاجتهاد يمكن الجزم بذلك. إذ إن حالة الانفتاح على المواقف الإسرائيلية وتطبيع العلاقات في جوانب مختلفة مع تل أبيب، ناهيك عن تراجع مواقف بعض الدول فيما يتعلق بإسناد المواقف الوطنية الفلسطينية، باتت أكثر ما يميز مواقف بعض الدول. وإن استطلاعاً في الشارع الفلسطيني حول رأي المواطن بمواقف من دون أسماء بعض الدول سيكون صادماً نتيجة للمواقف العلنية وغير العلنية لها من فلسطين. من المحزن أن تتعامل دول عربية مع القضية الفلسطينية على أنها صراع بين طرفين لا دخل لها فيها. إن مراجعة بعض التصريحات الصادرة عن الدول العربية يشعر المرء بأن الحديث يدور عن صراع بعيد بعد القمر عن تلك الدول، وأن الروابط القوية التي تربط فلسطين بشقيقاتها في العالم العربي لم تعد تعني شيئاً للبعض. بل إن ثمة إصراراً على الوقوف على الحياد فيما يتعلق بفلسطين وهذا أخطر ما في الأمر. ففلسطين قضية العرب الأولى ليس لأن الفلسطينيين يريدون أن يعتمدوا على العرب، رغم أن النضال من أجل حرية فلسطين واجب قومي بالدرجة الأولى على كل عربي وعلى كل دولة عربية، ولكن لأن دولة الاحتلال تشكل تهديداً للحالة العربية. ويجب أن يغري بحث إسرائيل وخطبها لود الدول العربية في السنوات الأخيرة تلك الدول وتظن أن أنياب الليث تعني أنه يضحك، إذ إن المشروع الكولنيالي الذي تمثله إسرائيل لم يتوقف ولم يصل إلى حده الأقصى. ما لا يمكن تحقيقه بالمال والتوسع الجغرافي يمكن تحقيقه بالمال والتجارة. وجوهر الشرق الأوسط الجديد بلغة بيريس يقوم على هذا.
إن احتواء الموقف العربي وتصويبه يجب أن يكون أولوية مهمة بالنسبة للفلسطينيين من أجل ضمان عدم وجود المزيد من التدهور والانجرافات في المواقف العربية. وعقد جلسة مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية كان مهماً من أجل وضع النقاط على الحروف وتحميل كل الأطراف مسؤولياتها. الفلسطينيون لا يريدون لأحد أن يقاتل نيابة عنهم ولا أن يتعذب من الاحتلال نيابة عنهم، لكن على الأقل لا يريدون أن يطعنوا في الظهر فيما هم يقاتلون من أجل البقاء على أرضهم وحماية العروبة هناك. هذا يتطلب المزيد من الحراك من أجل تمتين الموقف العربي الرافض لصفقة القرن حتى لا يأتي اليوم الذي تصبح فيها المادة الوحيدة للنقاش حول مستقبل الصراع كما يطمح نتنياهو وترامب.
لم يعد ثمة موقف عربي موحد. بل إن كلمة وحدة لم تعد في القاموس العربي إطلاقاً. واختفى كلياً البحث عن المشروع العربي الموحد. حتى أن مشاريع التكامل الفرعية التي نشأت في بعض المناطق العربية لم تنجح في خلق حالة حقيقة للتعاون السياسي والاقتصادي مثل مجلس التعاون الخليجي والمجلس المغاربي العربي. ومع هذا فإن الحاجة تقتضي تعظيم الفعل من أجل منع المزيد من الانزلاقات حتى لا تصبح بعض الدول العربية ترى مصلحتها بالتعاون والتحالف مع تل أبيب ومعاداة بعضها البعض. وبعض الظن إثم وليس كله.
- عن صحيفة الأيام الفلسطينية