إعلان استقالة حكومة عبد المهدي عقب الاحتجاجات ووقوع مئات الشهداء والجرحى، منح المتظاهرين جرعة مهمة للاستمرار في التظاهر والمطالبة بالمزيد من الحقوق المسلوبة التي خرجوا من أجلها. وكان الظرف الحرج الذي تلا تلك الاستقالة من رفض شعبي لأغلب المرشحين لخلافة عبد المهدي وإصرار الكتل على تكليف شخصيات سبق وأن تولت مناصب تنفيذية وتشريعية سابقا وحاليا، ادى الى تفاقم الوضع، يقابله اصرار المتظاهرين على عدم طرح أسماء بعينها لتتولى المنصب، واكتفائهم بطرح صفاته وما ينطبق عليه. وجاء استهداف الطيران الأميركي لقادة الحشد الشعبي، وتوتر الأجواء بين إيران والولايات المتحدة وما رافقها من تصويت البرلمان على إخراج القوات الأجنبية من البلد، تراجع البرلمان عن موضوع تسمية خليفة لعبد المهدي بشكل كبير، وانشغل بالتطورات الجديدة، بين ترقب لاحتمال وقوع حرب بين الطرفين وموقف العراق منها، وبين تلويح الرئيس الأميركي، بفرض عقوبات على العراق بسبب التصويت والاصرار على إخراج قواته من العراق، وكذلك استمرار الهجمات على القواعد العسكرية التي تشهد تواجد القوات الأميركية في العراق. وفي كل تلك الظروف، مازال مصير حكومة عبد المهدي معلقا، بين الشرعية ولا غير الشرعية، بين الدستور الذي تم خرقه وتجاوزه الى حد بعيد وبين متطلبات الواقع ومبرراته. بين موازنة مجمدة لا يمكن إقرارها ومناقشتها كون إن الحكومة لتصريف الأعمال ولا يحق لها اتخاذ القرارات المهمة والحاسمة ومنها التصويت على القوانين وارسالها الى مجلس النواب للتصويت عليها، وبين اصدار القرارات الحاسمة والتي تهم البلد وسيادته التي تخرق بشكل مستمر. وهنا علينا أن نثير السؤال الآتي: هل فعلا حكومة السيد عبد المهدي حاليا هي حكومة تصريف أعمال؟ علينا هنا العودة الى الدستور لنجد أنه لم يشر الى مفردة تصريف الأعمال، لذا لابد من اللجوء الى النظام الداخلي لمجلس الوزراء المنشور في الوقائع العراقية بالعدد 4533 بتاريخ 25 آذار 2019 الذي أشار بشكل مقتضب الى أن يتولى مجلس الوزراء تصريف الأمور اليومية للدولة لحين تشكيل الحكومة الجديدة في الحالات الآتية وهي: انتهاء الدورة الانتخابية لمجلس النواب، سحب الثقة عن مجلس الوزراء أو رئيسه، حل مجلس النواب. وبالعودة الى مجريات الواقع، نجد أن الحالات الثلاث لا تنطبق على ما حصل، حيث لم يتم حل مجلس النواب ولا سحب الثقة عن مجلس الوزراء أو رئيسه ولم تنتهِ الدورة الانتخابية لمجلس النواب. ما حصل هو تقديم رئيس مجلس الوزراء استقالته الى رئيس مجلس النواب، برغم إن الأخير لا علاقة له بالموضوع، ذلك أن من قام بتكليف رئيس مجلس الوزراء هو الأحرى بأن تقدم الاستقالة له لا لرئيس مجلس النواب. وهذا إن دل إنما يدل على إن الحكومة الحالية ليست حكومة تصريف أعمال لأن الاستقالة غير قانونية ولا دستورية والحالة التي تكون الحكومة فيها لتصريف الأعمال لم تتحقق، لذا فإن الحكومة الحالية قانونيا ودستوريا ليست حكومة تصريف أعمال. ويمكنها حتى اصدار جميع القرارات وتقديم مشروعات القوانين الى مجلس النواب، ومنها قانون الموازنة.
سلام مكي