تحرص الأنظمة السياسية التي تؤمن بترسيخ دولة المؤسسات على الفصل بين ما هو سياسي وما هو مهني ولطالما اختلفت الأهداف بين التخطيط لإنجازات ومشاريع تصب في مصلحة الدولة والشعب وبين مشاريع تستهدف تلميع صورة شخص أو حزب أو حكومة وحتى يمكن القول ان هذا النظام السياسي اجتهد وسعى لبناء مشروع دولة ما لابد أن يكون نهجه مؤمنا بترسيخ التقاليد الصحيحة لبناء دولة المؤسسات وفي مقدمة ذلك ابعاد المناصب والعناوين في مفاصل الدولة عن التجاذبات السياسية الحزبية والايمان أيضا بتمكين الكفاءات من تولي ادارة المهام التي تتطلب قدرات علمية وعملية ونزاهة ومهارة ..وفي دولة المؤسسات هذه تشيع مظاهر المهنية ويجري التداول السلمي للسلطة بسلاسة وتخف كثيرا وطأة الاضطهاد والتهميش وتضعف هيمنة الأشخاص على مقاليد القرار وتستطيع الحكومات المتعاقبة استكمال الجهود والمشاريع التي شرعت بتنفيذها من سبقتها في تولي المسؤولية وليس لرئيس اية حكومة أو وزير القدرة على وقفها أو عرقلتها الا بقوانين او قرارات تشريعية وجميع ماتم ذكره من مميزات لدولة المؤسسات يتمثل بالأنظمة الديمقراطية التي تحترم مضامين الدساتير التي تنشد التعددية والفصل بين السلطات ولا يكفي هنا تسطير القوانين التي تنادي بهذه التعددية والفصل بين السلطات بل لابد من ارساء المعايير والقواعد التي تضمن تنفيذها والحد من أي تدخلات داخلية أو خارجية بهذا النهج ..
على وفق هذا المنظور نرصد ونراقب الحملة السياسية التي تتعرض لها الاتفاقية التي عقدتها الحكومة العراقية المستقيلة برئاسة السيد عادل عبد المهدي مع جمهورية الصين قبل مدة قصيرة والتي تحدث رئيس الوزراء كثيرا عن جدواها ومنافعها للشعب العراقي من دون ان تكون هناك اية تطمينات للشارع العراقي للحد من المخاوف التي تبناها محللون ومختصون بالشأن الاقتصادي والسياسي واختلاط الشائعات بوجهات النظر حول وجود فرص جديدة للفاسدين لنهب الأموال العراقية وعدم تقدير الاضرار التي سيتعرض لها العراق في حال تم تنفيذ بنود هذه الاتفاقية فيما يتحدث كثيرون هنا عن حملة للتسقيط السياسي تستهدف عبد المهدي والجهات التي تدعمه وتدعم المضي قدما في تنفيذ هذه الاتفاقية مهما كان شكل الحكومة المقبلة وفي كل الأحوال فأن هذا الضجيج السياسي وتصاعد تبادل الاتهامات حول هذه القضية يؤكد الحاجة والاهمية الكبيرة لإعادة بناء دولة المؤسسات على وفق اطر مهنية متوازنة تأخذ بنظر الاعتبار حقيقة إن الدولة باقية وأن مصالح البلاد اقوى واسمى من أي مصالح حزبية او شخصية تنتهي وتتبدل في كل دورة انتخابية جديدة
د. علي شمخي