سلام مكي
يقول صلاح نيازي في كتابه «من تقنيات التأليف والترجمة»: الترجمة إن كانت هادفة، تكون أما علاجا لداءٍ متفشٍ، وإما لزرق دم جديد، أو قيم مستجدة. فالداء الذي يمكن للترجمة علاجه، قد يكون سياسيا، يتمثل بعدم وجود بنى فوقية تتمثل بنصوص تشريعية أو دستورية، تعالج حالة معروضة أمام السياسيين، فيتم اللجوء إلى التجارب الأخر، خصوصا تلك السبّ
اقة في ذلك المجال، أو قد يكون الداء ثقافيا، فيسعى مثقف أو مؤسسة تعنى بالترجمة إلى معالجة ذلك الداء، ومحاولة إيجاد الدواء المناسب له، عندما تتولى ترجمة مؤلف أدبي، أو ثقافي، أو نص مهما كان جنسه. وقد تكون الترجمة، محاولة لتأسيس قيم جديدة، وحقن الجسد الثقافي أو السياسي أو الاجتماعي، بأنساق وقيم وثوابت جديدة، تسعى لرفع مستوى الادراك الحسي والأدبي للمجتمع. نيازي، قال ضمنا أن ثمة ترجمة غير هادفة، وقد يعني بها تلك الترجمة التي لا تسع لعلاج داء أو زرق دم جديد، بل غالبا ما تكون ترجمة خاضعة لأهواء شخصية، تسعى لتحقيق أهداف شخصية بحتة، لا علاقة بالواقع العام ولا بالثقافة الحقيقية أصلا. وللأسف، تشهد الساحة الثقافية اليوم، حالة أشبه بالفوضى في الترجمة، من جميع النواحي، فكما هو الحال بالنسبة لانتشار الكثير من النصوص الرديئة التي لا ترق لمستوى النص الأدبي، فهناك نصوص مترجمة، تتضمن الكثير من الأخطاء والهفوات التي تخل بالمعنى كثيرا، وتشوه النص الأصلي بشكل كبير. يعترف نيازي، أنه كان يثق بالنصوص المترجمة ثقة عمياء، يوم كان وحيد اللغة، لكنه وبعد دراسة اللغة الانكليزية، تكشفت له اجتهادات في الترجمة تبلغ درجة الأخطاء. وفي خضم التوتر المزمن الذي يعيشه البلد، والمزاج العام المتقلب والهدوء الحذر الذي يغلب العاصفة، كانت مسرحية مكبث هي التي وجد ضرورة في ترجمة مكبث، المسرحية التي رأى علاقة وثيقة بين الدماء التي تنثال من بين نصوصها، وبين الدم الذي يراق في العراق يوميا. وفي ظل الحركة الاحتجاجية الحالية والتظاهرات التي يشهدها البلد، كان دافع نيازي لترجمة المسرحية أكثر من الوضع الذي كان سائدا وقت ترجمتها، فالدم لازال مستمرا في جريانه وبشكل يومي. مكبث، تلك المسرحية التي تضج بالمأسِ والألم، فكان لترجمتها في ظل هذه الظروف، وقعا أشد من زمن ترجمتها. أحداث المسرحية كما ينقلها نيازي تتعلق بالقانون والحرص على تطبيقه مهما كانت الظروف. فالاضطرابات التي رافقت قضية الطالب المتهم بالسرقة، والأحداث الجسام في باقي الدول الأوروبية، كانت سببا لإهمال تلك القضية، لكن ما حصل هو أن الجهة التي تتولى التحقيق فيها، مضت بالقضية، وهو ما يدل على قوة القانون، ورسوخ فكرة تطبيقه مهما كانت الظروف. فهل يمكن أن نجد في العراق، من يطبق القانون في ظل الاضطرابات الحالية؟ هل يمكن لفكرة هادئة، أن تعيش وسط أفكار طارئة ومتوترة؟ كم نحتاج اليوم، إلى نصوص أدبية وفكرية، وثقافية، تسعى لنقل تجارب الآخر، وتبين كيفية التعامل مع التوترات والأحداث المتسارعة، كتلك التي يشهدها البلد. وهذا الأمر، يستدعي وجود نشاط ترجمي فاعل، يسعى لإكساب الفكر السياسي والثقافي، نصوصا جديدة يمكنها أن تلبي حاجات الشارع، وتوفر حلولا عاجلة للمشاكل التي نعاني منها. ما مطلوب من الترجمة والمترجمين، هو السعي لاقتناص النصوص التي تعالج مشكلة ما، النصوص التي في ترجمتها ضرورة، أما النصوص التي تشكل ترفقا ثقافيا، فليس بالضرورة الاهتمام بها وترجمتها في مثل هذه الظروف. الأزمة حتى لو كانت سياسية، فالحل قد لا يكون سياسيا بالضرورة، فثمة حلول تأتي من حقول أخر، قد تكون سببا في إرغام السياسي أو تنبيهه على فكرة كانت غائبة عنه، ومن تلك الحقول هو الترجمة. خصوصا وإن الفكرة أو السياق العام للفكرة مصدره الفكر الآخر وبالتالي، فإن ذلك الفكر، وما يمتاز به، من حركة وتطور في كافة المجالات ومنها الثقافة، لابد أن يكون قد عدّل ونظّر بما يتناسب مع المرحلة الحالية.