أشرف العجرمي
مع أنه لا يوجد في السياسة ما هو مستحيل خصوصاً في إطار الألاعيب المتعلقة بالتحالفات والخصومات، إلا أن الأمور في إسرائيل على ما يبدو تتجه نحو انتخابات جديدة في الموعد المتفق عليه بين حزب «الليكود» الحاكم وبين تكتل «أزرق أبيض» المعارض. ولا يظهر أن معجزة تركيب حكومة وحدة في إسرائيل قد تحدث نظراً لتباعد مواقف الطرفين الكبيرين، وعدم رغبة رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان في الذهاب مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى حكومة يمينية ضيقة. وعليه، فإن الساعات القادمة ستشهد على الأغلب حل الكنيست وإقرار موعد الانتخابات الجديد في الثاني من شهر آذار القادم.
لقد نجح رئيس ائتلاف «أزرق- أبيض» بيني غانتس في توجيه ضربة قوية إلى خصمه نتنياهو عندما وضع شرطين للتباحث في تشكيل حكومة وحدة مع «الليكود»، وهما تخلي نتنياهو عن الحصانة وتخليه عن كتلة اليمين كطرف واحد. والشرط الأول مهم في نظر الرأي العام الإسرائيلي، وهو يبدو منطقياً للغاية، حيث لا يؤيد الجمهور الإسرائيلي أن يحصل نتنياهو على حصانة، وهو متهم في ثلاث قضايا فساد ستقدم ضده فيها لوائح اتهام. وبالتالي إصرار نتنياهو على الحصانة سيفسر كضرب من ضروب الفساد وليّ عنق الجهاز السياسي والقضائي على السواء. وفي نفس الوقت لا يستطيع نتنياهو أن يفاوض على حكومة جديدة وسيف القانون على رقبته، وهو لا يعلم كم تبقى له من وقت قبل أن يدخل السجن. وهكذا سجل «أزرق- أبيض» لنفسه نقطة بارزة ليس فقط في بإحراج نتنياهو وتضييق الخناق عليه، بل بكسب نقاط إضافية في المعركة الانتخابية القادمة والتي بدأت منذ فترة عملياً.
الأمر الثاني الذي يحسب لتكتل «أزرق- ابيض» هو تنازل يائير لابيد زعيم «ييش عتيد» عن التناوب على رئاسة الحكومة مع بيني غانتس. وهذه المسألة أفقدت «أزرق- أبيض» عددا لا بأس به من الأصوات في الانتخابات السابقة، واعتبرت نوعاً من الأنا الضارة التي تمترس خلفها لابيد، خاصة وأن بعض الأحزاب كانت تشترط ألا يكون لابيد رئيساً للحكومة في حال انضمت إلى «ازرق- أبيض» في ائتلاف حكومي واحد. كما أن مواطنين كثراً لا يرون في لابيد ممثلاً جيداً لمصالحهم بالذات في مواقفه العلمانية المتشددة تجاه المتدينين، سواء في موضوع التجنيد الإجباري أو في احترام حرمة السبت والفصل وأمور مشابهة.
ومن المستبعد أن تتشكل حكومة وحدة مع نتنياهو حتى في حال تخليه عن الحصانة، وهو أمر مستبعد لأنه لن يتخلى عن حلفائه وأيضاً بسبب عدم رغبة بعض الأصوات في « أزرق- أبيض» في العمل تحت رئاسة نتنياهو، وهو متهم بقضايا فساد وستقدم ضده لوئح اتهام، ولهذا قد لا يوافق في النهاية « أزرق- أبيض» على تولي نتنياهو رئاسة الحكومة أولاً على الرغم من أن الأخير موافق على فترة قصيرة ليست بالضرورة نصف مدة ولاية الكنيست. ولهذا فالانتخابات ستكون هي الخيار المرجح في نهاية اليوم.
ونتنياهو الذي يصارع على حياته السياسية لم يتبق له شيء كثير يساعده في لعبة البقاء التي برع فيها أكثر من أي زعيم سياسي آخر في إسرائيل. وحديثه المتكرر عن ضم غور الأردن وفرض القانون الإسرائيلي على المستوطنات، وعن الحلف مع الولايات المتحدة، لن يغير واقع الحال بالنسبة لنهايته المنتظرة. فالمستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت حذر الحكومة من مغبة الإقدام على ضم غور الأردن، لأن هذا سيضع إسرائيل في مواجهة القانون الدولي وقد يتسبب في تقديم مستوطنين ورجال جيش إلى محكمة الجنايات الدولية. وحتى نتنياهو نفسه صرح في وقت سابق بأن الضم مسألة صعبة للغاية. ومن الواضح أيضاً أن الولايات المتحدة لن تسارع إلى تأييد إسرائيل إذا ما أعلنت عن ضم غور الأردن وأي أجزاء من الضفة الغربية، على الرغم من الموقف الذي أعلنه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأن الاستيطان لا يتناقض مع القانون الدولي. وعلى الأقل هناك موقف واضح صدر في قرار عن مجلس النواب الأميركي يعارض الضم ويؤكد على حل الدولتين.
المشكلة الجديدة التي تواجه نتنياهو الذي اضطر للموافقة على إجراء انتخابات تمهيدية على رئاسة حزب «الليكود» هي وجود منافس قوي له تأييد يتعاظم في صفوف قادة الحزب، وخاصة أن بعض الوزراء وأعضاء الكنيست سيعلنون عن دعمهم لمنافس نتنياهو جدعون ساعر في ظل ازدياد الانتقاد لتمسك نتنياهو برئاسة الحزب بالرغم من وضعه القانوني الصعب الذي يهدد فرص «الليكود». وقد أظهر استطلاع للرأي للقناة 13 العبرية في نهاية الشهر الماضي أن غالبية الجمهور الإسرائيلي 56% يعتقدون أن على نتنياهو أن يستقيل. بمعنى أنه لم يعد مقبولاً أن يستمر نتنياهو في منصبه كرئيس حزب ولا كرئيس حكومة وهو متهم بتهم خطيرة تتعلق بالفساد وخيانة الأمانة. ومع أن نتنياهو قد فاجأ الجميع في قدرته على المناورة والبقاء إلا أن هذه المرة على الأغلب ستكون قاضية. فإذا نجح ائتلاف «أزرق- ابيض» في الحصول على 36 مقعداً كما تظهر بعض استطلاعات الرأي أو أكثر ونجح الفلسطينيون في تجاوز الثلاثة عشر مقعداً وكان ائتلاف أحزاب الوسط واليسار أقوى بعدد من المقاعد يتجاوز الستين مقعداً، فهذا بدون شك سيقضي على نتنياهو، وحتى لو تكررت الانتخابات ولم ينجح نتنياهو في تشكيل حكومة كما حصل مرتين فهذا أيضاً سيقضي عليه.
عن جريدة الايام