تحدث الكاتب علي حسن الفواز في عمود الأسبوعي في جريدة الصباح الجديد الذي بعنوان( لندعم منتوجنا الثقافي أيضا) عن ضرورة الالتفات الى الصناعة الثقافية ويعني بها صناعة الكتاب، مثلما يتم الالتفات الان الى الصناعة المحلية المختلفة من قبل المتظاهرين وغيرهم. وهذا الكلام مهم وجدا في الوقت الراهن، بغية تسليط الضوء على هذه الصناعة المنسية كما عبر عنها الفواز. ولكن قبل ان نطالب الآخرين بدعم صناعة معني بها المثقف قبل غيره: هل هناك فعلا صناعة ثقافية؟ هل يمتلك العراق أدوات تلك الصناعة؟ هل يبادر المثقف المعني بدعم تلك الصناعة، او السعي لتأسيس قطاع خاص يدعم ويطور تلك الصناعة؟ بعض دور النشر اليوم تدار من قبل مثقفين، وأخرى تدار من قبل محبين للثقافة، يعلن بعضهم أنه يسعى لإشاعة الثقافة والقراءة أكثر من السعي للربح المادي، ولكن في الحقيقة، أن كثيرا منهم، لمجرد أن يطلب كاتب منهم طبع ديوان او رواية له، يتعرض لحالة من الابتزاز وفرض الشروط، أشبه بعقد الإذعان في القانون، حيث يفرضون شروطا على المؤلف أهمها الجانب المالي وما على المؤلف الا القبول. وغالبا ما نقرأ عبر ووسائل التواصل الاجتماعي أن الناشر الفلاني قبض ثمن الطباعة ويمتنع عن إكمال الطباعة، وإن الكمية الواصلة تختلف عن المتفق عليها. وكثير من المشاكل التي تبرز من خلال التعامل مع دور النشر المحلية. إن خطاب الفواز، يوجه بالدرجة الأساس الى صناع الكتاب الحاليين، فهم الأولى بتوفير بيئة سليمة وآمنة للمؤلفين والكتاب، وإلا فإن توجه أغلب الكتاب والمؤلفين الى الخارج، سيبقى مستمرا، وسوف نشهد موتا سريريا لهذه الصناعة التي تحتاج الى جهود كبيرة للنهوض بها. إن أي نشاط سواء كان صناعيا أو ثقافيا، يحتاج إلى إطار قانوني ينظم عمله ويضع المحددات اللازمة للأفراد العاملين فيه. أغلب المشاكل التي يعرفها الجميع والناتجة عن طباعة الكتب بين المؤلفين ودور النشر، جاءت بسبب غياب القانون الذي ينظم هذا التعامل الآخذ بالازدياد يوما بعد يوم، بسبب كثرة التأليف والمؤلفين. فمن صور إهمال الحكومة او السلطة بصورة عامة لهذا القطاع المهم، هو عدم تشريع قانون ينظم عملية طباعة الكتب، ويطور من حركة التأليف والطباعة وبتالي يخلق صناعة ثقافية متطورة، قائمة على مرتكزات مهمة ورصينة. فأغلب الاتفاقات بين الناشر والمؤلف تكون عرفية ولا يوجد نص قانوني يحمي حقوق الطرفين. يفترض وجود قانون ينظم عملية الطباعة والنشر، يضع محددات لتأسيس دار النشر، ويفرض شروطا على الناشر، لضمان طباعة الكتب الرصينة. فغياب هذا القانون، ساهم بنشر الكثير من المؤلفات التي لا ترتقي لمستوى الأدب الرصين. ويفترض أن يلزم القانون الدولة عبر المؤسسات الثقافية الرسمية دعم الكتاب ماديا ومعنويا إلزامها بإعطاء الكتاب والكاتب ما يستحقانه. كما إن غياب القانون أدى لكثرة السرقات الأدبية، إذ أن وجود قانون يتيم هو قانون حماية حقوق المؤلف رقم 3 لسنة 1971 وتعديله عام 2004 في ظل سلطة الائتلاف آنذاك لا يحقق حماية كاملة للمؤلفات والمصنفات. ما تحتاجه الصناعة الثقافية العراقية، هو قانون رصين، وعي حقيقي من قبل المنتج الثقافي والمستهلك. فمتى ما تحقق ذلك، كان بالإمكان الحديث عن جود صناعة ثقافية عراقية.
سلام مكي