اظن أن أفضل نموذج يمكن الحديث عنه هو احتجاجات عام 1968 التي اندلعت في فرنسا. فهي حركة احتجاج شهيرة جدا لكن الاغرب في هذه الحركة هو أنها ارتبطت بفيلسوف عجوز هاجر الى امريكا اسمه هربرت ماركوز. فجأة ظهر ماركوز المنسي الى العلن وصار نجما فلسفيا وقائدا روحيا لمظاهرة الطلبة في باريس.
ربما يقودنا هذا او يعطينا حقا في الحديث عن دور المثقف في الاحتجاجات التي بدأت في الاول من تشرين.
في الغالب يكون هناك دور للشعراء سواء كانوا يكتبون بالعامية او الفصحى. ولعلنا لاحظنا نماذج شعرية كثيرة تدعو لمواصلة التظاهرات السلمية. كذلك هناك دور للفنانين التشكيليين. كما أن صدور عددين من جريدتي التكتك و25 من تشرين يعني ان هناك حراكا ثقافيا فاعلا يحاول إبراز قوة المطالب والهدف منها.
هناك الان نشاطات متعددة تنظم في خيام ساحة التحرير. قد لا تكشف الكاميرا تفاصيل هذه النشاطات. لكن خيام المعتصمين تشتعل بنار الثقافة, من محاضرات عن الدستور والانتخابات يلقيها أساتذة مختصون بالقانون ومحاضرون لهم خبرة جيدة.
كل هذا هو سعي مهم لتغيير فهم المتظاهرين والارتقاء به.
لكن هل نستطيع القول ان دور المثقف يعتمد فقط على المثقفين الاحياء من شعراء وكتاب وصحفيين يكتبون دفاعا عن سلمية التظاهر واحقية مطالبها.لا فهناك حضور قوي لمثقفين اخرين رحلوا عن عالمنا. في احدى الخيام المعدة على شكل مكتبة توفر كتبا للقراءة المجانية شاهدت العديد من الشباب يبحثون عن كتب علي الوردي. كانت كتبه كما سمعت تسافر من يد الى يد. ماذا يعني هذا؟ يعني ان لدى شباب التظاهر حلما لا يكتمل دون الثقافة.
ومع كل ما قلت هل للمثقف دور مؤثر في تنظيم حركة الاحتجاج على اقل تقدير.؟ بلا شك وربما يكون أحد أهم أدواره هو تحليل وتفسير هذه الاحتجاجات، واعطاؤها شرعية ما دامت سلمية. وعلى المثقف هنا ان يتحدث لا في عموميات مباشرة يعرفها الجميع ولكن عليه ان يفسر ويوضح ويستعير من تجارب الامم افكارا تخدم ما يحدث عندنا هنا. وهذا العمل مهم جدا وعلى المثقفين القيام به.
ومع ان احتجاجات تشرين بلا قيادة كما تفضل الحكومة وبلا مثقف تستند عليه جموع المتظاهرين الا ان الوعي الذي نشاهده هو وعي مدهش خلاق.
ومن المؤسف أننا نرى بعض المثقفين لم يقولوا كلمة واحدة في مصلحة تظاهرات تشرين. يصمت المثقف احيانا ويفقد القدرة على النطق ان كان يبحث عن مصلحته.وان كان يشغل موقعا يمنحه منافع مادية.
أما ما اشاهده فهناك وقفة كبيرة لكتاب وصحفيين يتابعون يوميا مجريات الامور ويعلقون ويكتبون الا ان اهعم دور في نظري هو تبرير التظاهر السلمي من خلال تحليل وتفسير هذه التظاهرات وانها ليست بدعة مرفوضة.على المثقف ان يكون صوتا قويا في مساندة شباب التظاهر.اما اذا تخلى المثقف عن دوره وصمت فهذا يعني انه شخص اخر لا ينطبق عليه وصف المثقف أبدا.
نوزاد حسن