محمد طه العثمان
تعدُّ القصة والحكاية من أهم الوسائل التعليمية في حياة الطفل، لما تملكه من دور تنبيهي وتوجيهي وتشويقي في آن معاً، فقد أجمع كثير من النقاد على أهميتها في إكساب الطفل القارئ مجموعة من القيم، والاتجاهات، والأفكار، واللغة، وعناصر الثقافة والمعرفة، مما يسهم في تكوينه على نحو يختلف تماماً عن الطفل غير القارئ. كل هذا يؤكد ما تعكسه القصة من أسلوب حياة الجماعة التي يهيئها الكبار لعالم الأطفال، لهذا فهي «ترمز إلى موقف أعضاء المجتمع من أساليب التنشئة الاجتماعية واتجاهاتهم نحوها».
في دراستنا هذه، سنقف على المجموعة القصصية الموجهة للأطفال (الأرجوحة والعيد) للكاتب والقاص السوري نجيب كيالي؛ الحاصلة على المركز الثاني في مسابقة الطيب صالح في دورتها السادسة، والصادرة في عام 2018.
نلاحظ أن المجموعة تنحو في بنائها المضموني نحو الأدب الهادف والمسلي. فعند ولوجنا فيها نرى أن عتباتها النصية توحي بكل هذا؛ منذ العنوان الرئيس (العيد والأرجوحة)، وهو عنوان إحدى القصص؛ فتحيل بمضمونها على أن الإنسان قادر على صنع الفرح بيديه، وفي الوقت الذي يريد؛ حينما يجتمع مع من يحب؛ فيخلق معهم مساحات السعادة؛ هذا هو العيد الحقيقي؛ ولا وقت أو مساحة له.
«كل مجموعة، أو كتاب موجّه للطفل، يقدم له رصيداً لغوياً ومعرفياً، ليؤثر بشكل إيجابي فيه»أما في «العتبات الداخلية»، فنجد أن الكاتب قد قسم المجموعة إلى قسمين: القسم الأول وعنونه (قصص جميل)، وجعل «جميل» مع أصدقائه البشر، والحيوانات بخاصة «القطة ديدبانة؛ والكلب شوشو»، أبطالاً لهذه القصص؛ ونلاحظ أنه استحضر بعض الشخصيات التراثية وأعطاها قيمة رمزية ودرامية، كما اعتمد أسلوبا ذكياً في هذا الفصل، هو السرد المتصل المنفصل، وهذه إحدى أهم ثيمات التسلية التي تجعل الطفل يعيش عالماً متكاملاً مع هذه الشخصيات؛ فتكون قدوته، وينحصر تركيزه معها تماماً. فكانت لغة هذه القصص مكتنزة بالتوالد غير تقريرية؛ تنمو معها الدلالات الجديدة بتلقائية، هذا التوليد لا يأتي عن مجرد التفكير في إنتاج فكرة فقط، ولكنها تستحوذ على عواطف الطفل القارئ ومشاعره.
والمميز في هذا الفصل أيضاً أن أبطال القصص الثماني الأولى هم ذاتهم؛ ولكن في كل قصة لنا معهم حكاية ومتعة وفائدة.
في القسم الثاني الذي عنونه بـ(قصص أخرى)، وهما قصتان: قبعة في السماء، والخروف الصغير، نلاحظ أن عنصر السرد كان فيه غنى ومتعة؛ حين تعددت الأصوات؛ وتفعَّلت خصيصة الانتقال بين الأبطال بطريقة الديالوج في أغلب الأحيان؛ وكان لحضور الراوي العارف دور كبير في المنحى السردي على أغلب القصص.
وحيناً يكون الضمير الغائب هو المسيطر على أجواء المجموعة، وأحياناً أخرى يدخل السارد مع أجواء القصة، فيتشارك معهم تفاصيل قصصهم، كما في الخروف الصغير. الأمر الذي ساعد على استقرار نفسي يوحي للطفل بأهمية ما تحتويه هذه القصص من فوائد؛ حتى من ناحية الأزمنة؛ إذ نلاحظ أن الزمن الماضي هو المسيطر بقوة، إلا في حالات قليلة عندما يتداخل التوصيف، للتعبير عن حالة وضع المضارع كإشارة للاستمرارية، كقوله في قصة «الأرجوحة والعيد»:
(فرح جميل وأصدقاؤه؛ وقفوا ينتظرون.
قالت القطة….. إلخ
قالت هالة أخت جميل: هي تنام تحت الأرض).
فنلاحظ في هذا المقطع أن أغلب الأفعال ماضية، إلا فعل «تنام» جاء كتعبير عن توصيف زمني مستمر في الحاضر.
«ثمة بساطة في طريقة الطرح، بساطة عميقة تكاد تلامس قلب كل طفل»
وفي هذه الحالة، يعطي المضارع قوة تشاركية عالية بين الحكاية ومخيلة الطفل، ويساهم أيضاً في ترابط المعنى مع المبنى، فيكون الكاتب حقّق انسجاماً فنياً عالياً مع التسلية المرجوة.
أما عن الحركية، فكانت كما قلت تغلب عليها حالة الديالوج بسرعة تنقل، وحوارات رشيقة. وهذه ميزة تشوق الطفل جداً، وتحرضه على الانتباه والمتابعة.
ما تحتفي به المجموعة جوانب كثيرة؛ أهمها:
ــ البساطة في طريقة الطرح، إذ نحن أمام بساطة عميقة تكاد تلامس قلب كل طفل وحتى كبير.
ــ الترفيهي والمسلِّي.
ــ الجانب الاجتماعي والأسري، وعرض وسرد واسع لجوِّ الأسرة، كما في قصة دخان المطبخ؛ وقبعة في السماء.
ــ التركيز على عالم الطفل: من خلال أفكاره، أحلامه، طموحاته، ورغباته، وما يحب وما يكره. وما الذي يريده من الحياة، وماذا يريد أن يتعلم ويعرف كلَّ يوم.
وذلك من خلال ربط المعلومة مع فكرة في القصة؛ كما فعل في قصة دخان المطبخ وأمير بين الأطفال.
أو الحديث عن مواضيع ذات قيمة فكرية، كموضوع تكوُّن الثلج، وكيف يتكثف ويصير ثلجاً.
أو بزرع قيمة في الطفل، عن طريق الإيحاء، كما فعل في قصة السيف والأصدقاء؛ حين أوصل للأطفال فكرة عدم الخيانة، والوقوف في صف الأعداء، ولو بالتمثيل أو التفكير بذلك.
ويمكن القول إن المجموعة غنية بالمعلومات التي يمكن أن يستفيد منها الطفل، علمية كانت، أو فكرية؛ تعينه على التفكر والتحليل والربط. وحتى معلومات تاريخية يمكن أن يتعرف عليها، كما في قصة السيف والأصدقاء بالمرور على معركة حطين، وصلاح الدين.
في النهاية، نرى أن كل مجموعة، أو كتاب موجّه للطفل، يقدم له رصيداً لغوياً ومعرفياً، ليؤثر بشكل إيجابي فيه. وذلك ما تحتفي به هذه المجموعة بشكل واضح، وأكثر ما يميزها هذا الأمر؛ فاللغة شفيفة قريبة من القلب تجذبه وتثير في مخيلة الطفل الكثير من الخيالات والعوالم.