صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط -إيطاليا، الطبعة العربية لمجموعةٍ شعرية جديدة للشاعرة الفلسطينية رجاء غانم، بعنوان: «عن الضحك والغيتار البرتقالي والحرب»، تزامناً مع طبعة المتوسط الفلسطينية «الأدب أقوى» والتي توزعها الدار الرقمية في الداخل الفلسطيني، والأدب أقوى هو مشروع أطلقته المتوسط لإصدار طبعة فلسطينية لعدد من كتبها بالتزامن مع صدور طبعتها في العالم العربي، لتكون كتب الدار جزءاً من العمل المقاوم لسلطات الاحتلال، وكسراً للحصار الثقافي المُمارس على القارئ الفلسطيني.
تُقرأ المجموعة الجديدة للشاعرة رجاء غانم، من العنوان الطويل، الذي وإنْ بدا صريحاً ويشي بالكثير، إذْ يجمعُ الأضداد؛ إلَّا أنه يكشف عن عمقٍ آخر، داخل القصائد. كأنَّ الشاعرة تبدأ بشكلٍ تصاعدي في رفع مستوى التوتُّر، من الضحك والسعادة نحو تراجيديا الحرب. مروراً بهمومٍ يوميّة، تُلقي عليها رجاء غانم رداءً شفافاً فتتحوَّلُ إلى أساطير صغيرة عن الحب والجسد والفرح الخفيِّ.
في قصيدة «عن الضّحكِ وفساتينِ الأمَّهات»، نقرأ:
كنَّا صغاراً
نضحكُ كثيراً
في الزمانِ البعيدِ حين ارتدتْ أمَّهاتُنا فساتينَ تصلُ لفوقِ الرُّكبة
وأشعلنَ سجائرَ كينت طويل
في زمانٍ بعيد
كان الضحكُ ملءَ الجِرار.
عبر الذَّاكرة، وفي لحظةٍ تُمدِّدُها الشاعرة لتحتلَّ أمكنة وزوايا عدَّة، من قصيدة إلى أخرى؛ يحضرُ الحبُّ ومعه رجلٌ يتحرَّكُ في فضاءٍ شعريّ، يحضر ويغيب، يشاركُ في صناعة الحدث ويتأمل من بعيد ما يحدث. هكذا عبر مدنٍ مسَّها جنون الحرب، ومن خلال نوافذ تُفتح في جدرانٍ عالية، نُطلُّ على عالم رجاء غانم الحميم، ويكفي أن نتّبع جدول الكلماتِ المتدفِّق حتى نكتشف هذه الجغرافيا الخاصة للجسد والروح والغموض والألم.
ومن قصيدة «اشتعال الروح»، نقتطع:
يمرُّ هذا الرجلُ على حديقتِكِ، يتفقَّدُ نباتاتِكِ الطَّيِّبةَ كلَّها. يمسسُ الأرضَ باشتياقِ العارفِ. يأتي ليلاً، يأتي نهاراً، تراقبينَهُ من الشّبّاكِ، وبرفَّةِ جفنٍ تقولين سيختفي، سأفتحُ عينَيّ الآن، وسيختفي كما اختفى الغولُ من غرفةِ الطُّفُولةِ، وكما اختفت علبةُ ألوانِكِ القديمةِ في انفجارِ سيَّارةٍ مفخَّخةٍ سيختفي.
أشياء كثيرة تتداعى في زمن الحرب، إلا الحبّ، كما لو أنَّ رجاء غانم تعيدُ كتابة حياةٍ ننسى فيها أننا قد نكون قتلى على صفحات الجرائد الأولى. بل تواجه الحرب وأشياءها بأشياء الحبّ على قلّتها وبدافع من الأحمر:
تأتي الحربُ ومعها دمٌ كثير
الأحمرُ القاني الذي تُحبُّه. والذي اشتريتُ فستاناً بلونِهِ في خصامِنا
الأخير. وكأنني أعلمُ أننا سنرجعُ بدافعٍ من الأحمر، سنعودُ ونُريقُ دماءً
جديدةً لأجلِ هذا الحُبّ.
حساسيةٌ عالية، وشاعرية لا متناهية، تفاجئنا بها رجاء غانم عبر قصائدها المتناغمةِ كأشجار في حقلٍ شاسعٍ محظور، وحينما تمتزج الذاكرة الشخصية بذاكرة الوطن، تقول رجاء:
وَرثتُ عن والدي وَلَعَهُ بأفلامِ الأبيضِ والأسود
ودموعَه الغزيرةَ أمامَ كلِّ أُغنيَّةِ حُبٍّ
أو أمامَ لفْظَتَي: مِصرَ وفِلسطين
أو عندَ تذَكُّرِ طابونِ جدَّتي في القريةِ المَمحيَّةِ عن خارطةِ البلادِ.
«عن الضحك والغيتار البرتقالي والحرب» جاءت في 64 صفحة من القطع الوسط، ضمن سلسلة «براءات» لسنة 2019، التي تصدرها الدار وتنتصر فيها للشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية.
رجاء غانم: شاعرة فلسطينية، ولدت في دمشق. نشرت قصائدها في الصحف العربية والفلسطينية منذ العام 1996. أصدرت مجموعتها الشعرية الأولى بعنوان «سيّدة البياض» في حيفا عام 2014. شاركت في كتاب «ديوان الأمومة» الصادر في القاهرة 2017. كما شاركت في العديد من مهرجانات الشعر في فلسطين والعالم العربي والعالم. تعمل في مجال توجيه المجموعات وورشات الكتابة الإبداعية.
«عن الضحك والغيتار البرتقالي والحرب»
التعليقات مغلقة