أنجيلا كونتولي
غازي بن أحمد
مع عودة التونسيين إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المرتقبة في 13 تشرين الأول/أكتوبر، يتوقّع الناخبون اختيار رئيس تونس الجديد من بين خيارَين كلاهما مستبعد. فالاستياء من الوضع الراهن وترشّح 26 شخصًا للمنصب حالا دون نجاح أيٍّ من المرشحين في ضمان الأكثرية المطلقة في الجولة الأولى، ما استدعى هذه الجولة الثانية. وبما أن الانتخابات النيابية في تونس أدّت إلى انقسام الأصوات بين المرشحين، من المحتمل أن يواجه الرئيس التونسي سلسلةً من التحديات المعقدة. بيد أن إطلاق سراح نبيل القروي من السجن، قبل أربعة أيام فقط من التصويت، يعني أن الانتخابات المقرر عقدها يوم الأحد، من المرجح أن تمضي قدمًا، ولا تزال هناك أسئلة معلقة حول أثر اعتقال القروي واحتجازه على العملية الانتخابية.
أما المرشح الأول الذي نال العدد الأكبر من أصوات الناخبين في الانتخابات الأولى، فيدعى قيس سعيد. ويقال إن هذا الشخص الذي لم يكن معروفًا على الساحة السياسية قبل الآن «رجل صادق وصريح ورزين»، وبات اليوم يحظى علنًا بتأييد «حزب النهضة» الإسلامي و»الرابطة الوطنية لحماية الثورة». وقيس سعيد حازمٌ في معارضته للنظام وللدولة، حتى أنه طالب بحل البرلمان واستبداله بممثلين محليين. ومن المرجح أن سعيد قد تأثر بالاحتجاجات الاجتماعية التي اندلعت في فرنسا والتي تدعى «جيليتس جايونز»، أو (السترات الصفراء)، التي تجسد وتدين حالة عدم الاستقرار العام وتدهور سبل العيش بين ملايين الفرنسيين. ومن ثم، فان حالة المظاهرات، والتجمعات الشعبية، واستطلاع مبادرات المواطنين، وتشكيل مؤسسات بلدية موازية، أو ما يعادلها من مؤسسات الحديثة، هو ما يتطلع إليه سعيد، فتونس ليست دولة محصنة ضد المواجهة الدولية الدائرة حاليا بين مبادئ الوطنية والليبرالية الجديدة، والمنافسة الحرة وغير المشبوهة التي تدور بينهما. وفيما يتعلق بالأمور المجتمعية، كسب سعيد الأصوات بفضل مواقفه المحافظة، فهو يعارض المساواة بين المرأة والرجل في قوانين الميراث معتبرًا أن القرآن واضح بهذا الشأن، كما أنه ينبذ المثلية الجنسية. وهذا وقد شدد سعيد، باعتباره مختصًا في القانون الدستوري، على ضرورة أن تحترم الحكومة المادة الأولى من الدستور التي تنص على أن الإسلام هو الديانة الرسمية في تونس. وبالتالي جادل سعيد قائلاً إن كل القوانين يجب أن تستند إلى الشريعة الإسلامية.
أما خصم سعيد، فهو رجل أعمال في السادسة والخمسين من العمر ويدعى نبيل القروي. وللقروي مواقفٌ متناقضة مع الكثير من هذه المواقف الاجتماعية. القروي شريك في ملكية قناة «نسمة» التلفزيونية الخاصة، وكان يعدّ أحد أبرز المرشحين العلمانيين للرئاسة في الانتخابات الأولى بالرغم من اعتقاله بعد فترة وجيزة على بدء حملته السياسية بتهم التهرب الضريبي وتبييض الأموال في آب/أغسطس. ولكن، حتى من وراء القضبان، يمثّل القروي بالنسبة لناخبين كثر مثالاً عن الحداثة وحرية التجارة وحرية التعبير والانفتاح على الأحزاب المعتدلة والديمقراطية، وهذا ما يفسر استمراره في جذب الناخبين إليه. لكنّ سجن القروي أثار التساؤلات عن وضع الديمقراطية في تونس. ومن المؤكد أن هذا المرشح يعتبر منذ سنوات شخصيةً مثيرةً للجدل في تونس، فقد كسب عددًا من الأعداء عام 2011 حين قرر بثّ فيلم الرسوم المصورة «بيرسيبوليس» الحائز عدة جوائز والذي يروي تجارب فتاة إيرانية خلال السنوات الأولى من الجمهورية الإسلامية في إيران بالرغم من ورود «تعليمات» بعدم عرضه. ذلك أن عرض الفيلم أطلق شرارة جدال عام حول الأصولية الدينية، فأضاء العلمانيون على أوجه الشبه بين إيران في بداية الثورة وتونس عام 2011 بنيّة انتقاد انتخابات الجمعية التأسيسية التي كانت مرتقبةَ في وقت لاحق من ذاك العام. كما أدّى قرار القروي بعرض الفيلم إلى نشوب احتجاجات من السلفيين في مدنٍ كثيرة، حيث زعم هؤلاء أنّ الفيلم يحرّض ضد الإسلام ويقوّض القيم الإسلامية المقدسة. وفي اليوم التالي من عرض الفيلم، هاجم أكثر من 300 سلفي إسلامي قناة «نسمة» وأضرموا النيران في منزل القروي وأحرقوا سياراته، مع الإشارة إلى أن القروي لم يكن في منزله يومذاك لكنّ عائلته اضطرت للهرب.
ونظرًا إلى هذه الخلفية، أدّى اعتقال القروي المفاجئ بعد بدء حملته الانتخابية الرئاسية إلى إثارة التساؤلات والاستعجاب. فقد أخذ مناصروه يشبّهون ما حدث بالانتخابات التركية التي أجريت عام 2018 حين تم زجّ الخصم السياسي لرجب طيب أردوغان – وهو الزعيم الموالي للأكراد صلاح الدين دميرتاش – في السجن بتهمة الإرهاب. فقد أقرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي نظرت في قضية صلاح الدين دميرتاش ضد تركيا بالإجماع على أن الاعتقال يشكل «مخالفةً للمادة الثانية من البروتوكول رقم 1 (الحق في الانتخابات الحرة) للاتفاقية… وأن عجزه عن المشاركة في أعمال الجمعية الوطنية نتيجة احتجازه قبل المحاكمة يعتبر تدخلاً غير مبرر بالتعبير الحر عن الرأي وبحقه في انتخابه وشغل منصب برلماني».
وهذه هي حال نبيل القروي. فهو مسجون منذ 23 آب/أغسطس، وتم إطلاق سراحه في 9 تشرين الأول/ أكتوبر، وهو من الفائزين في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التونسية بالرغم من تجاهل قاعدة تساوي المرشحين في أوقات البث الإذاعي والتلفزيوني المخصصة لهم، إذ مُنع من المشاركة في النقاشات الإذاعية والتلفزيونية ولم يُسمح له بالتصويت. وقد أوضحت محكمة الاستئناف في بيانها الرسمي الصادر الأسبوع الماضي أنها لم تتمكن من مراجعة قرار دائرة الاتهام بشأن توقيف نبيل القروي. فجاء رد المواطنين في الشارع كالآتي: «يجري التلويح بهذه الاتهامات منذ عام 2016 للاشتباه باهتمامه بالسياسة. ولو وُجدت أي أدلة فعلية، لكانت الدولة تخلصت من القروي منذ زمن طويل». إنّ ملف إدانته خالٍ، والمقصود من هذه المسرحية برمتها هو الإطاحة به».
وفي العدد الأخير من جريدة الاتحاد العام التونسي للشغل (الشعب)، قال رئيس التحرير إنه عندما طلب الغنوشي زيارة القروي في السجن، رفض الأخير وقال: «لا مفاوضات قبل أن أغادر السجن». والآن أصبحت فكرة التفاوض أو التحالف تلقى قبولا بين النهضة وقلب تونس بشمل كبير وصارت وكل الخيارات ممكنة. يبدو على أقل تقدير أن الركن الأساسي في الديمقراطية – أي القدرة على ممارسة حرية التعبير – متعثر حين يكون أحد المرشحين الرئيسيين في السجن خلال الفترة السابقة للانتخابات بجولتيها الأولى والثانية. ويتعذّر إقامة نقاش قوي ذي مغزى حول المسائل الجوهرية حين يكون الخصم السياسي وراء القضبان ويوجّه رسائله من خلال محاميه، عاجزًا عن التعبير عن أجندته وآرائه السياسية.
وبغياب محكمة دستورية في تونس، تبقى قدرة القروي على المشاركة في الانتخابات كمرشح رئاسي فعلي مسألةً عالقةً. وفي حال خسارة القروي في السباق الرئاسي، قد يصبح لديه آنذاك المسوغات اللازمة للطعن في نتائج الانتخابات، وبذلك تستمر مسألة المرشح الرئاسي المقبل في تونس لفترة أطول بعد. وفي هذا الحالة، لا أحد يعرف ما إذا كانت الانتخابات ستحدث مجددًا أو يستطيع التنبؤ بالظروف التي ستجري فيها.
أنجيلا كونتولي خبيرة في العلوم السياسية وعضو مؤسس لمبادرة تنمية البحر المتوسط (MDI) التي تتخذ من تونس مقراً لها، وعضواً في مجلس إدارتها
غازي بن أحمد، رئيس المبادرة المتوسطية للتنمية
معهد واشنطن