-1-
لستُ ممن يرضى باساءة الظن بحق أحدٍ مِنَ الناس فكيف أرضى بالحكم القاسي على شعب عريق أصيل كان بؤرةَالاشعاع الروحي والفكري والحضاري وموّن الانسانية بقافلة طويلة من العظماء والمبدعين ؟
أنا علي يقين أنّ الشعب العراقي يمتاز بخصال وسمات اخلاقية عالية
أهمُها :
الطِيبةُ ،
والنبلُ ،
والمروءةُ ،
والحِسُ المرهفُ ،
والحب السخيُّ ،
والاستعداد للتضحية بالنفس فضلاً عن المال
-2-
أقرب الأمثلة الى الاذهان الاستجابة الكبيرة لفتوى الجهاد الكفائي في منازلة التكفيريين الأوغاد ودحرهم في عقر دورهم .
-3-
ويمكننا الآن ان نقول :
اذا أردت ان تعرف نُبَل شعبٍ من الشعوب فابحث عن عدد الشهداء فيه .
انّ قوافل الشهداء للدفاع عن الارض والعِرضِ والقِيّم المقدسة هي الدليل على نقاء وسلامة المزاج الشعبي العام .
ولا تخلو قاعدةٌ من استثناء .
ولا بلد من الخبثاء والجبناء والمتصيدين في الماء العكر
-4-
وانا احرص على تدوين بعض اللقطات المعبّرة عن المكنون في وجدان العراقيين وضمائرهم من نزعات الخير والبر والايثار تذكيراً بما لهم مِنْ أيادٍ بيضاء في مضمار الوطنية والاخلاص والايثار للصالح العام على مصالحهم الشخصية .
الاجواء اليوم –للاسف- مُلبّدة بالغيوم الداكنة السوداء،التي تستهجن الفساد وأهلَه ، وتندّد بِحِيتانِهِوقراصِنَتِهِ وكبارِ فرسانهِ، الخارجين على كل القوانين والموازين .. واستمرارُ التركيز على الجوانب السلبية قد يُفضي الى ايجاد مناخ متخم بالشوائب الأمر الذي يقود الى اصدار الاحكام القاسية والانطباعات الظالمة ، مع إعمام وتسريةٍ لتلك الأحكام على الجميع ، وهذا ما لا يسوغ على الاطلاق وفق تَوجهات السماء ومنطوق القرآن ألَمْ يقل تعالى :
( لا تبخسو الناس أشياءهم )
ونحن نبخس حق المحسنين اذا عممّنا الحكم على الجميع،فلابُدَّ اذن من التفريق والتمييز بين المحسنِ والمسيءِ .
يقول امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب (ع) في عهدهالى مالك الاشتر – رحمه الله-
{ ولا يكونن المحسنُ والمسيءُ عندكَ بمنزلةٍ سواء فانّ في ذلك تزهيداً
لاهل الاحسان في احسانهم وتدريباً لاهل الاساءة على الاساءة }
-5-
ومن صور الايثار للصالح العام استئذانُ أحدِ رجال البرِوالاحسانِ المرجعيةَ الدينيةَ العليا في صِرْف جزءٍ من (الخمس) المستحق عليه في بناء المدارس ، بعد ان كثرت الحاجة اليها، وبقي العجز عن اشباع تلك الحاجة .
اذنت المرجعية للرجل البار بصرف نصف الخمس – وهو ما يعبر عنه بسهم الامام (ع) – في بناء المدارس الابتدائية
وحين اتجه الرجل الى مدرسة في احدى المناطق الفقيرة وفَاتَحَ مديرَ المدرسة برغبته في بناء المدرسة بناء حديثا يغطي الحاجة الفعلية ، ساورت المديرَ الغيورَ شكوكٌ وظنون، وخشي أن} يكون البناء لعبةً سياسية يراد منها مثلا كسب الاصوات الانتخابية لصالح الباذل أو ما يشبه ذلك من أهداف شخصية .
وحين أقْنَعَهُ الباذل بانَّ المسألة ليست بدافع ذاتي بل هي بدافع موضوعي قال له المدير :
انني مع معلمي المدرسة سوف نلبس بدلات العمل بعد انتهاء الدوام لبناء المدرسة لكي تستطيع التوجه الى بناء مدارس أخرى .
والسؤال الان :
بم تسمّي الباذل لبناء المدرسة وتأهيلها للخدمة ؟
اليس هذا هو الايثار للصالح العام بعينه ؟
اليس هذا هو السخاء ؟
أليس هذا منطلقاً من حُبّ الوطن وحبّ الخير لأبنائه وكل ذلك مما يوجب إجلال الرجل واكباره على هذه الاخلاقية العالية .
وبم تسمّي تولي المدير والمعلمين بأنفسهم عملية البناء للمدرسة ؟
أليس هذا منتهى الاخلاص والتفاني من أجل الصالح العام ؟
نعم انهم عراقيون مخلصون طيبون وطنيون .
وهذا هو وجههم الناصع، وهذه هي طباعهم المغموسة بعطر الرافدين
حسين الصدر